منتدي عباد الرحمن الاسلامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ولو ألقى معاذيره !

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اللؤلؤ والمرجان




عدد المساهمات : 697
تاريخ التسجيل : 10/05/2011

ولو ألقى معاذيره !  Empty
مُساهمةموضوع: ولو ألقى معاذيره !    ولو ألقى معاذيره !  Emptyالإثنين مايو 30, 2011 11:20 am















ولو ألقى معاذيره !  1261767360


ولو ألقى معاذيره !
الكاتب: د. سلمان بن فهد العودة
السبت 12 جمادى الأولى 1432الموافق 16 إبريل 2011


حين ناظر أبو الوليد الباجي ابنَ حزم قال الباجي :

أنا أعظم منك همّة في طلب العلم ؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه ، تسهر بمشكاة الذهب ، وطلبتُه وأنا أسهر على قنديل حارس السوق!

فقال ابن حزم :

هذا الكلام عليك وليس لك ، لأنك طلبت العلم في تلك الحال الرثّة رجاء تبديلها بمثل حالي ، وأنا طلبتُه في الحال التي تعلمُها من السّعة والغنى ، فلم أرج به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة .

وكانت حجة ابن حزم أقوى وأفلج .

يتحدث العلماء عادة عن تأثّر الإنسان بأحد شيئين :

أولهما : العامل الوراثي البيولوجي ، فالجينوم يحتوى على الكثير من الأسرار والحروف التي تشكّل بإذن الله حدقة العين ولون البشرة ، ولون الشعر والطول ومجموعة من الصفات الجسدية ، كما يقرر العلماء أن ما بين 40-50% من ذكاء الإنسان هو وراثي ، ولابد أن للوراثة تأثيراً كبيراً في الطبائع والأخلاق والصفات كالتسامح أو الشدة أو الغضب ، وكذلك مجموعة الخصائص النفسية .

قد ينزع المرء لأبيه ، أو لأمه ، أو يأخذ من هذه الفصيلة وتلك؛ ليصبح هو مزيجاً جديداً مختلفاً عن والديه ، ومتأثراً بهما في الوقت ذاته (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل: من الآية88) .

ويبقى السؤال عن الإنسان الأول قبل هذا التسلسل التاريخي لبني الإنسان ... ؛ هل كانت جيناته خالية من أي قرارات مسبقة فيما من شأنه أن يتغير ؟

ينظر بعض الناس إلى هذه المعلومة المتعلقة بتأثير الوالدين وكأنها جبرية لازمة ، وحتمية قائمة لا مخلص منها ولا مفرّ ، وهو هنا يجد عذراً عمّا يسوؤه من السمات والخصائص والعيوب !

ولسان حاله ما يقول أبو العلاء :
هَذا جناه أبي عليّ .. وما جنيتُ على أحد !


وهذه قَدَريّة عمياء ، تمليها الجهالة ويسوغها العجز ، وتزيّنها نظريات تسمح للإنسان بألوان من الانحراف والشذوذ تحت ذريعة الحتمية الوراثية, أو تأثير الخلايا والهرمونات .

وأوسع من ذلك نظرية فرويد الذي كانت أفكاره فيما يسمى " عقدة أوديب " والدافع الجنسي واللاوعي تُناقَش في كل مكان في منتصف القرن العشرين .

ثم آلت إلى أن تصبح " هامشاً " في دفتر المعرفة لدى الأطباء والعلماء والمختصين ، ويتبيّن أن ولع بعض المفتونين بها كان نتيجة عقدة النقص ، وليس البحث العلمي النزيه .

المؤثر الثاني : هو الجانب البيئي الاجتماعي ، كتأثير الأسرة والشارع والأصدقاء والمدرسة ووسائل الإعلام وقنوات الاتصال .

من المتفق عليه لدى جميع علماء النفس والاجتماع والتربية أن ثمّ تأثيراً كبيراً لهذه الأوعية على الإنسان ، أكان تأثيراً في ذات الاتجاه بخضوع الإنسان لمطالبها وإلحاحاتها وهو الأعم الأغلب ، أو كان تأثيراً عكسياً بردّة الفعل لدى فئة قليلة ترفض سطوة المجتمع وتسير في خط مضاد لأسبابها الخاصة بها .

الغريب حقاً أن هؤلاء العلماء يعترفون بالعجز عن الفصل بين الأشياء التي هي من تأثير الوراثة ، والأشياء التي هي من تأثير المجتمع ، ويؤمنون بالتداخل الشديد بينها بحيث يبدو الفصل بينها نوعاً من التزييف أو ضرباً من المحال .

وحتى الجواب عن سؤال : أيها أكثر تأثيراً : الموروث أو البيئة .. هذا غير معروف على وجه الدقة .

لا يبدي العلماء عناية جادة بمعنى ثالث هو عندي أهم , ألا وهو تأثير الإنسان على نفسه ، فالإنسان كائن واعٍ ، ومنذ سني الطفولة الأولى يلتقط كلمة " أنا " ويبدأ بالإحساس بأنه شيء آخر غير والديه وغير إخوانه ، بخلاف الحيوانات والطيور التي لا تعقل هذا المعنى .

تطوير هذا الوعي ليصبح قدرة على قراءة النفس ، ومعرفة دوافعها فيما تفعل ، ومعرفة أخطائها وعيوبها الجوهرية ، والرقي بأدائها من الحسن إلى الأحسن بعيداً عن التعذير والخداع هو معنى عظيم .

(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:15،14) .

قال سعيد بن جبير: شاهد على نفسه ولو اعتذر.

وقال مجاهد : ولو جادل عنها ، فهو بصيرة عليها.

حتى معرفة العيوب الموروثة من الوالدين أو الأسرة ، أو العيوب المتكونة بسبب التربية وتأثير المدرسة أو الأصدقاء أو ظروف الطفولة.

هل هذا من تأثير التربية ؟

نعم ! رُبّ تربية يكون من حسناتها حفز الإنسان على أن يعرف ذاته, وأن ينشغل بها ويصنع الأحافير ويكتشف الكهوف والمغارات والسراديب في أطوائها ، ليس هذا فقط ، بل ويعمل بجد وصبر ودأب على ترميمها وإصلاحها أو تحجيم نفوذها وتأثيرها على شخصيته وحياته .

الفارق هو بين من يلتقط هذه الفكرة (فكرة عالج نفسك بنفسك) ، وقد يجدها عند والده أو مُدرّسه أو زميله, أو يقرؤها في كتاب أو يسمعها في برنامج , ثم يعمل على تحويلها إلى عادة سلوكية يمارسها بانتظام ، ليس في التصرفات العملية فحسب ، بل وفي الإحساسات العاطفية والتي يمليها القلب ، والأحكام العلمية التي يقررها العقل .

فالقلب والمخ هي أعضاء يستطيع المرء أن يتحكم فيها بدرجة ما ، وهو مسؤول عنها .

وحين يمارسها بانتظام فهذا يعني أن تتحول مع الوقت والمداومة واليقظة إلى مؤثر أكبر في شخصيته .

ستدين له نفسه وتستسلم في أشياء ، وستظل جيوب مقاومة ورفض في أشياء ، وسيعجز عن معالجة نمطٍ مستعصٍ من العيوب ، فالأشياء التي لا يحبها في نفسه عليه أن يغيرها ، وحين يعجز عن تغييرها فعليه أن يحاول ، وحين يعجز عن المحاولة عليه أن يتكيف معها .

حين يتحقق لك نجاح عليك أن تقرأ على ملامحه بصمات كثيرة شاركتك في صناعته ، والدك ، زوجتك ، أصدقاؤك ، رئيسك ، القريب الذي تبنّى المشروع ودعمه .. إلى آخر القائمة التي تتسع وتطول أو تقصر , حسب طبيعتك النفسية , وحسب قدرتك على التجرد من الأنانية وحظ النفس , لتمنح الآخرين دورهم وتثني على إنجازهم .

وفي سياق الذم ذكر الله تعالى قول قارون : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78) ، حتى خصومك ساعدوك على النجاح من حيث لم تتوقع .
عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَبعدَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا
همُ بَحَثوا عَن زلَّتي فَاجتَنَبتُها وَهُم نافَسُوني فَاكتَسَبت المَعاليا


هل من العدل أن ينسب الإنسان النجاح لنفسه ومواهبه وسهره ، ليثبت الفشل لمجتمعه وبيئته حين يتحدث عن العقبات التي واجهها في بداية حياته ، حتى نجد كثيراً من الكاتبين أو المتحدثين عن سيرهم الذاتية يبالغون في رسم التحدي الذي لقوه ، وما أبرئ نفسي أن يكون القلم تجاوز بشيء من هذا في " طفولة القلب " !

فرق ما بين الواعي والمتخلف أن الواعي يدرك أن النجاح ليس صفة لازمة للإنسان ، والذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما ، والنجاح يكون حتى في التعامل مع الفشل .. فهنا لدينا القدرة على التعبير بـ " الفشل الناجح " أي : الذي يمنح المرء دروساً وخبرة ، ويزيده صبراً وإصراراً ، ويكشف له جوانب خلل في ذاته ، ليعيد المحاولة ويحقق الهدف .

والنجاح ليس سمة حتمية دائمة , وإنما هو نتيجة ؛ ولذا فعلى المرء أن يكون قادراً على استيعاب الفشل والإخفاق كقدرته على استيعاب النجاح.

وربما كان الفشل سبباً إلى النجاح أو كان النجاح سبباً إلى الفشل .
وربّما كانَ مكروه النفوسِ إلى محبوبِها سبباً ما مثله سببُ


يقظة الفرد عامل جوهري في النجاح ، نجاح العلاقة الزوجية ، أو الصداقة ، أو المشروع التجاري أو الثقافي ، أو النهضوي ، وهذا إيمان بالفرد القادر على التغيير (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)(النساء: من الآية84) .

والمجتمع والبيئة هي الحاضن لهذا النجاح ، ومن صميمها وجد الدفع والتحفيز ، أكان إيجابياً بصناعة المناخات الداعمة للإبداع والتألق والبحث والتطوير ، أو حتى سلبياً بصناعة التحدي الذي يستفز كوامن الإبداع ويحركها .

ليس من العدل أن تتحدث عن البيئة بلغة الازدراء والتنقص أو التسفيه المطلق ، أو الأحكام التعميمية " الناس منافقون ، أغبياء ، جهلة ، ماديون .. إلخ " .

أو أن تردد مع (الحريري) ؟ قوله :
لا تغتررْ ببني الزمانِ ولا تقلْ عند الشدائد: لي أخ ونديمُ
جربتُهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل والحميم حميمُ !


الحميم الأول : القريب ، والحميم الثاني : هو الماء الشديد الحرارة .. ولهذا الحرف تعليق قادم بإذن الله .
















ولو ألقى معاذيره !
الكاتب: د. سلمان بن فهد العودة
السبت 12 جمادى الأولى 1432الموافق 16 إبريل 2011


حين ناظر أبو الوليد الباجي ابنَ حزم قال الباجي :

أنا أعظم منك همّة في طلب العلم ؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه ، تسهر بمشكاة الذهب ، وطلبتُه وأنا أسهر على قنديل حارس السوق!

فقال ابن حزم :

هذا الكلام عليك وليس لك ، لأنك طلبت العلم في تلك الحال الرثّة رجاء تبديلها بمثل حالي ، وأنا طلبتُه في الحال التي تعلمُها من السّعة والغنى ، فلم أرج به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة .

وكانت حجة ابن حزم أقوى وأفلج .

يتحدث العلماء عادة عن تأثّر الإنسان بأحد شيئين :

أولهما : العامل الوراثي البيولوجي ، فالجينوم يحتوى على الكثير من الأسرار والحروف التي تشكّل بإذن الله حدقة العين ولون البشرة ، ولون الشعر والطول ومجموعة من الصفات الجسدية ، كما يقرر العلماء أن ما بين 40-50% من ذكاء الإنسان هو وراثي ، ولابد أن للوراثة تأثيراً كبيراً في الطبائع والأخلاق والصفات كالتسامح أو الشدة أو الغضب ، وكذلك مجموعة الخصائص النفسية .

قد ينزع المرء لأبيه ، أو لأمه ، أو يأخذ من هذه الفصيلة وتلك؛ ليصبح هو مزيجاً جديداً مختلفاً عن والديه ، ومتأثراً بهما في الوقت ذاته (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل: من الآية88) .

ويبقى السؤال عن الإنسان الأول قبل هذا التسلسل التاريخي لبني الإنسان ... ؛ هل كانت جيناته خالية من أي قرارات مسبقة فيما من شأنه أن يتغير ؟

ينظر بعض الناس إلى هذه المعلومة المتعلقة بتأثير الوالدين وكأنها جبرية لازمة ، وحتمية قائمة لا مخلص منها ولا مفرّ ، وهو هنا يجد عذراً عمّا يسوؤه من السمات والخصائص والعيوب !

ولسان حاله ما يقول أبو العلاء :
هَذا جناه أبي عليّ .. وما جنيتُ على أحد !


وهذه قَدَريّة عمياء ، تمليها الجهالة ويسوغها العجز ، وتزيّنها نظريات تسمح للإنسان بألوان من الانحراف والشذوذ تحت ذريعة الحتمية الوراثية, أو تأثير الخلايا والهرمونات .

وأوسع من ذلك نظرية فرويد الذي كانت أفكاره فيما يسمى " عقدة أوديب " والدافع الجنسي واللاوعي تُناقَش في كل مكان في منتصف القرن العشرين .

ثم آلت إلى أن تصبح " هامشاً " في دفتر المعرفة لدى الأطباء والعلماء والمختصين ، ويتبيّن أن ولع بعض المفتونين بها كان نتيجة عقدة النقص ، وليس البحث العلمي النزيه .

المؤثر الثاني : هو الجانب البيئي الاجتماعي ، كتأثير الأسرة والشارع والأصدقاء والمدرسة ووسائل الإعلام وقنوات الاتصال .

من المتفق عليه لدى جميع علماء النفس والاجتماع والتربية أن ثمّ تأثيراً كبيراً لهذه الأوعية على الإنسان ، أكان تأثيراً في ذات الاتجاه بخضوع الإنسان لمطالبها وإلحاحاتها وهو الأعم الأغلب ، أو كان تأثيراً عكسياً بردّة الفعل لدى فئة قليلة ترفض سطوة المجتمع وتسير في خط مضاد لأسبابها الخاصة بها .

الغريب حقاً أن هؤلاء العلماء يعترفون بالعجز عن الفصل بين الأشياء التي هي من تأثير الوراثة ، والأشياء التي هي من تأثير المجتمع ، ويؤمنون بالتداخل الشديد بينها بحيث يبدو الفصل بينها نوعاً من التزييف أو ضرباً من المحال .

وحتى الجواب عن سؤال : أيها أكثر تأثيراً : الموروث أو البيئة .. هذا غير معروف على وجه الدقة .

لا يبدي العلماء عناية جادة بمعنى ثالث هو عندي أهم , ألا وهو تأثير الإنسان على نفسه ، فالإنسان كائن واعٍ ، ومنذ سني الطفولة الأولى يلتقط كلمة " أنا " ويبدأ بالإحساس بأنه شيء آخر غير والديه وغير إخوانه ، بخلاف الحيوانات والطيور التي لا تعقل هذا المعنى .

تطوير هذا الوعي ليصبح قدرة على قراءة النفس ، ومعرفة دوافعها فيما تفعل ، ومعرفة أخطائها وعيوبها الجوهرية ، والرقي بأدائها من الحسن إلى الأحسن بعيداً عن التعذير والخداع هو معنى عظيم .

(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:15،14) .

قال سعيد بن جبير: شاهد على نفسه ولو اعتذر.

وقال مجاهد : ولو جادل عنها ، فهو بصيرة عليها.

حتى معرفة العيوب الموروثة من الوالدين أو الأسرة ، أو العيوب المتكونة بسبب التربية وتأثير المدرسة أو الأصدقاء أو ظروف الطفولة.

هل هذا من تأثير التربية ؟

نعم ! رُبّ تربية يكون من حسناتها حفز الإنسان على أن يعرف ذاته, وأن ينشغل بها ويصنع الأحافير ويكتشف الكهوف والمغارات والسراديب في أطوائها ، ليس هذا فقط ، بل ويعمل بجد وصبر ودأب على ترميمها وإصلاحها أو تحجيم نفوذها وتأثيرها على شخصيته وحياته .

الفارق هو بين من يلتقط هذه الفكرة (فكرة عالج نفسك بنفسك) ، وقد يجدها عند والده أو مُدرّسه أو زميله, أو يقرؤها في كتاب أو يسمعها في برنامج , ثم يعمل على تحويلها إلى عادة سلوكية يمارسها بانتظام ، ليس في التصرفات العملية فحسب ، بل وفي الإحساسات العاطفية والتي يمليها القلب ، والأحكام العلمية التي يقررها العقل .

فالقلب والمخ هي أعضاء يستطيع المرء أن يتحكم فيها بدرجة ما ، وهو مسؤول عنها .

وحين يمارسها بانتظام فهذا يعني أن تتحول مع الوقت والمداومة واليقظة إلى مؤثر أكبر في شخصيته .

ستدين له نفسه وتستسلم في أشياء ، وستظل جيوب مقاومة ورفض في أشياء ، وسيعجز عن معالجة نمطٍ مستعصٍ من العيوب ، فالأشياء التي لا يحبها في نفسه عليه أن يغيرها ، وحين يعجز عن تغييرها فعليه أن يحاول ، وحين يعجز عن المحاولة عليه أن يتكيف معها .

حين يتحقق لك نجاح عليك أن تقرأ على ملامحه بصمات كثيرة شاركتك في صناعته ، والدك ، زوجتك ، أصدقاؤك ، رئيسك ، القريب الذي تبنّى المشروع ودعمه .. إلى آخر القائمة التي تتسع وتطول أو تقصر , حسب طبيعتك النفسية , وحسب قدرتك على التجرد من الأنانية وحظ النفس , لتمنح الآخرين دورهم وتثني على إنجازهم .

وفي سياق الذم ذكر الله تعالى قول قارون : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78) ، حتى خصومك ساعدوك على النجاح من حيث لم تتوقع .
عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَبعدَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا
همُ بَحَثوا عَن زلَّتي فَاجتَنَبتُها وَهُم نافَسُوني فَاكتَسَبت المَعاليا


هل من العدل أن ينسب الإنسان النجاح لنفسه ومواهبه وسهره ، ليثبت الفشل لمجتمعه وبيئته حين يتحدث عن العقبات التي واجهها في بداية حياته ، حتى نجد كثيراً من الكاتبين أو المتحدثين عن سيرهم الذاتية يبالغون في رسم التحدي الذي لقوه ، وما أبرئ نفسي أن يكون القلم تجاوز بشيء من هذا في " طفولة القلب " !

فرق ما بين الواعي والمتخلف أن الواعي يدرك أن النجاح ليس صفة لازمة للإنسان ، والذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما ، والنجاح يكون حتى في التعامل مع الفشل .. فهنا لدينا القدرة على التعبير بـ " الفشل الناجح " أي : الذي يمنح المرء دروساً وخبرة ، ويزيده صبراً وإصراراً ، ويكشف له جوانب خلل في ذاته ، ليعيد المحاولة ويحقق الهدف .

والنجاح ليس سمة حتمية دائمة , وإنما هو نتيجة ؛ ولذا فعلى المرء أن يكون قادراً على استيعاب الفشل والإخفاق كقدرته على استيعاب النجاح.

وربما كان الفشل سبباً إلى النجاح أو كان النجاح سبباً إلى الفشل .
وربّما كانَ مكروه النفوسِ إلى محبوبِها سبباً ما مثله سببُ


يقظة الفرد عامل جوهري في النجاح ، نجاح العلاقة الزوجية ، أو الصداقة ، أو المشروع التجاري أو الثقافي ، أو النهضوي ، وهذا إيمان بالفرد القادر على التغيير (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)(النساء: من الآية84) .

والمجتمع والبيئة هي الحاضن لهذا النجاح ، ومن صميمها وجد الدفع والتحفيز ، أكان إيجابياً بصناعة المناخات الداعمة للإبداع والتألق والبحث والتطوير ، أو حتى سلبياً بصناعة التحدي الذي يستفز كوامن الإبداع ويحركها .

ليس من العدل أن تتحدث عن البيئة بلغة الازدراء والتنقص أو التسفيه المطلق ، أو الأحكام التعميمية " الناس منافقون ، أغبياء ، جهلة ، ماديون .. إلخ " .

أو أن تردد مع (الحريري) ؟ قوله :
لا تغتررْ ببني الزمانِ ولا تقلْ عند الشدائد: لي أخ ونديمُ
جربتُهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل والحميم حميمُ !


الحميم الأول : القريب ، والحميم الثاني : هو الماء الشديد الحرارة .. ولهذا الحرف تعليق قادم بإذن الله .
















ولو ألقى معاذيره !
الكاتب: د. سلمان بن فهد العودة
السبت 12 جمادى الأولى 1432الموافق 16 إبريل 2011


حين ناظر أبو الوليد الباجي ابنَ حزم قال الباجي :

أنا أعظم منك همّة في طلب العلم ؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه ، تسهر بمشكاة الذهب ، وطلبتُه وأنا أسهر على قنديل حارس السوق!

فقال ابن حزم :

هذا الكلام عليك وليس لك ، لأنك طلبت العلم في تلك الحال الرثّة رجاء تبديلها بمثل حالي ، وأنا طلبتُه في الحال التي تعلمُها من السّعة والغنى ، فلم أرج به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة .

وكانت حجة ابن حزم أقوى وأفلج .

يتحدث العلماء عادة عن تأثّر الإنسان بأحد شيئين :

أولهما : العامل الوراثي البيولوجي ، فالجينوم يحتوى على الكثير من الأسرار والحروف التي تشكّل بإذن الله حدقة العين ولون البشرة ، ولون الشعر والطول ومجموعة من الصفات الجسدية ، كما يقرر العلماء أن ما بين 40-50% من ذكاء الإنسان هو وراثي ، ولابد أن للوراثة تأثيراً كبيراً في الطبائع والأخلاق والصفات كالتسامح أو الشدة أو الغضب ، وكذلك مجموعة الخصائص النفسية .

قد ينزع المرء لأبيه ، أو لأمه ، أو يأخذ من هذه الفصيلة وتلك؛ ليصبح هو مزيجاً جديداً مختلفاً عن والديه ، ومتأثراً بهما في الوقت ذاته (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل: من الآية88) .

ويبقى السؤال عن الإنسان الأول قبل هذا التسلسل التاريخي لبني الإنسان ... ؛ هل كانت جيناته خالية من أي قرارات مسبقة فيما من شأنه أن يتغير ؟

ينظر بعض الناس إلى هذه المعلومة المتعلقة بتأثير الوالدين وكأنها جبرية لازمة ، وحتمية قائمة لا مخلص منها ولا مفرّ ، وهو هنا يجد عذراً عمّا يسوؤه من السمات والخصائص والعيوب !

ولسان حاله ما يقول أبو العلاء :
هَذا جناه أبي عليّ .. وما جنيتُ على أحد !


وهذه قَدَريّة عمياء ، تمليها الجهالة ويسوغها العجز ، وتزيّنها نظريات تسمح للإنسان بألوان من الانحراف والشذوذ تحت ذريعة الحتمية الوراثية, أو تأثير الخلايا والهرمونات .

وأوسع من ذلك نظرية فرويد الذي كانت أفكاره فيما يسمى " عقدة أوديب " والدافع الجنسي واللاوعي تُناقَش في كل مكان في منتصف القرن العشرين .

ثم آلت إلى أن تصبح " هامشاً " في دفتر المعرفة لدى الأطباء والعلماء والمختصين ، ويتبيّن أن ولع بعض المفتونين بها كان نتيجة عقدة النقص ، وليس البحث العلمي النزيه .

المؤثر الثاني : هو الجانب البيئي الاجتماعي ، كتأثير الأسرة والشارع والأصدقاء والمدرسة ووسائل الإعلام وقنوات الاتصال .

من المتفق عليه لدى جميع علماء النفس والاجتماع والتربية أن ثمّ تأثيراً كبيراً لهذه الأوعية على الإنسان ، أكان تأثيراً في ذات الاتجاه بخضوع الإنسان لمطالبها وإلحاحاتها وهو الأعم الأغلب ، أو كان تأثيراً عكسياً بردّة الفعل لدى فئة قليلة ترفض سطوة المجتمع وتسير في خط مضاد لأسبابها الخاصة بها .

الغريب حقاً أن هؤلاء العلماء يعترفون بالعجز عن الفصل بين الأشياء التي هي من تأثير الوراثة ، والأشياء التي هي من تأثير المجتمع ، ويؤمنون بالتداخل الشديد بينها بحيث يبدو الفصل بينها نوعاً من التزييف أو ضرباً من المحال .

وحتى الجواب عن سؤال : أيها أكثر تأثيراً : الموروث أو البيئة .. هذا غير معروف على وجه الدقة .

لا يبدي العلماء عناية جادة بمعنى ثالث هو عندي أهم , ألا وهو تأثير الإنسان على نفسه ، فالإنسان كائن واعٍ ، ومنذ سني الطفولة الأولى يلتقط كلمة " أنا " ويبدأ بالإحساس بأنه شيء آخر غير والديه وغير إخوانه ، بخلاف الحيوانات والطيور التي لا تعقل هذا المعنى .

تطوير هذا الوعي ليصبح قدرة على قراءة النفس ، ومعرفة دوافعها فيما تفعل ، ومعرفة أخطائها وعيوبها الجوهرية ، والرقي بأدائها من الحسن إلى الأحسن بعيداً عن التعذير والخداع هو معنى عظيم .

(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:15،14) .

قال سعيد بن جبير: شاهد على نفسه ولو اعتذر.

وقال مجاهد : ولو جادل عنها ، فهو بصيرة عليها.

حتى معرفة العيوب الموروثة من الوالدين أو الأسرة ، أو العيوب المتكونة بسبب التربية وتأثير المدرسة أو الأصدقاء أو ظروف الطفولة.

هل هذا من تأثير التربية ؟

نعم ! رُبّ تربية يكون من حسناتها حفز الإنسان على أن يعرف ذاته, وأن ينشغل بها ويصنع الأحافير ويكتشف الكهوف والمغارات والسراديب في أطوائها ، ليس هذا فقط ، بل ويعمل بجد وصبر ودأب على ترميمها وإصلاحها أو تحجيم نفوذها وتأثيرها على شخصيته وحياته .

الفارق هو بين من يلتقط هذه الفكرة (فكرة عالج نفسك بنفسك) ، وقد يجدها عند والده أو مُدرّسه أو زميله, أو يقرؤها في كتاب أو يسمعها في برنامج , ثم يعمل على تحويلها إلى عادة سلوكية يمارسها بانتظام ، ليس في التصرفات العملية فحسب ، بل وفي الإحساسات العاطفية والتي يمليها القلب ، والأحكام العلمية التي يقررها العقل .

فالقلب والمخ هي أعضاء يستطيع المرء أن يتحكم فيها بدرجة ما ، وهو مسؤول عنها .

وحين يمارسها بانتظام فهذا يعني أن تتحول مع الوقت والمداومة واليقظة إلى مؤثر أكبر في شخصيته .

ستدين له نفسه وتستسلم في أشياء ، وستظل جيوب مقاومة ورفض في أشياء ، وسيعجز عن معالجة نمطٍ مستعصٍ من العيوب ، فالأشياء التي لا يحبها في نفسه عليه أن يغيرها ، وحين يعجز عن تغييرها فعليه أن يحاول ، وحين يعجز عن المحاولة عليه أن يتكيف معها .

حين يتحقق لك نجاح عليك أن تقرأ على ملامحه بصمات كثيرة شاركتك في صناعته ، والدك ، زوجتك ، أصدقاؤك ، رئيسك ، القريب الذي تبنّى المشروع ودعمه .. إلى آخر القائمة التي تتسع وتطول أو تقصر , حسب طبيعتك النفسية , وحسب قدرتك على التجرد من الأنانية وحظ النفس , لتمنح الآخرين دورهم وتثني على إنجازهم .

وفي سياق الذم ذكر الله تعالى قول قارون : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78) ، حتى خصومك ساعدوك على النجاح من حيث لم تتوقع .
عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَبعدَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا
همُ بَحَثوا عَن زلَّتي فَاجتَنَبتُها وَهُم نافَسُوني فَاكتَسَبت المَعاليا


هل من العدل أن ينسب الإنسان النجاح لنفسه ومواهبه وسهره ، ليثبت الفشل لمجتمعه وبيئته حين يتحدث عن العقبات التي واجهها في بداية حياته ، حتى نجد كثيراً من الكاتبين أو المتحدثين عن سيرهم الذاتية يبالغون في رسم التحدي الذي لقوه ، وما أبرئ نفسي أن يكون القلم تجاوز بشيء من هذا في " طفولة القلب " !

فرق ما بين الواعي والمتخلف أن الواعي يدرك أن النجاح ليس صفة لازمة للإنسان ، والذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما ، والنجاح يكون حتى في التعامل مع الفشل .. فهنا لدينا القدرة على التعبير بـ " الفشل الناجح " أي : الذي يمنح المرء دروساً وخبرة ، ويزيده صبراً وإصراراً ، ويكشف له جوانب خلل في ذاته ، ليعيد المحاولة ويحقق الهدف .

والنجاح ليس سمة حتمية دائمة , وإنما هو نتيجة ؛ ولذا فعلى المرء أن يكون قادراً على استيعاب الفشل والإخفاق كقدرته على استيعاب النجاح.

وربما كان الفشل سبباً إلى النجاح أو كان النجاح سبباً إلى الفشل .
وربّما كانَ مكروه النفوسِ إلى محبوبِها سبباً ما مثله سببُ


يقظة الفرد عامل جوهري في النجاح ، نجاح العلاقة الزوجية ، أو الصداقة ، أو المشروع التجاري أو الثقافي ، أو النهضوي ، وهذا إيمان بالفرد القادر على التغيير (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)(النساء: من الآية84) .

والمجتمع والبيئة هي الحاضن لهذا النجاح ، ومن صميمها وجد الدفع والتحفيز ، أكان إيجابياً بصناعة المناخات الداعمة للإبداع والتألق والبحث والتطوير ، أو حتى سلبياً بصناعة التحدي الذي يستفز كوامن الإبداع ويحركها .

ليس من العدل أن تتحدث عن البيئة بلغة الازدراء والتنقص أو التسفيه المطلق ، أو الأحكام التعميمية " الناس منافقون ، أغبياء ، جهلة ، ماديون .. إلخ " .

أو أن تردد مع (الحريري) ؟ قوله :
لا تغتررْ ببني الزمانِ ولا تقلْ عند الشدائد: لي أخ ونديمُ
جربتُهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل والحميم حميمُ !


الحميم الأول : القريب ، والحميم الثاني : هو الماء الشديد الحرارة .. ولهذا الحرف تعليق قادم بإذن الله .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ولو ألقى معاذيره !
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي عباد الرحمن الاسلامي :: »®[¤¦¤]™ المنتـديآت العـــامة ™[¤¦¤]®« :: ~°™«*»الـــــمنتدى الــعــــــام«*»™°~-
انتقل الى: