السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أسماء الأبناء بين الهدم والبناء!
لقد عني الإسلام بالطفل المسلم عناية شديدة، وبتهيئة المحضن التربوي الذي
ينشأ ويترعرع فيه وتتوافر فيه كل عوامل الصلاح كي يشب صالحاً تقياً ربانياً
كما أراد الله تعالى لعباده، ولقد شمل هذا الاهتمام كل ما من شأنه صلاح
الولد، بدءاً من اختيار الأم الصالحة، إلى باقي أوجه التربية والتوجيه.
ومن حقوق الطفل التى نبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- على الوفاء بها: اختيار الاسم الحسن له، وذلك لأسباب قوية وهامة:
1- أن حسن التسمية من حقوق الولد على والده:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-)) إن من حق الولد على الوالد أن يحسن
اسمه وأن يحسن أدبه)). وقد شكا أحد الآباء إلى أمير المؤمنين عمر بن
الخطَّاب عقوق ابنه، فقال عمر للابن: "ما حملك على عقوق أبيك"؟ فقال الابن:
يا أمير المؤمنين ما حق الولد على أبيه؟ قال: "أن يحسن اسمه، وأن يحسن
اختيار أمه، وأن يعلمه الكتاب"، فقال: يا أمير المؤمنين إن أبى لم يفعل
شيئاً من ذلك، فالتفت عمر للأب وقال له: "عققت ولدك قبل أن يعقَّك"!!
يقول الشيخ بكر أبو زيد- حفظه الله- مبيناً خطورة التفريط فى هذا الحق:
"إني تأملت عامة الذنوب والمعاصي فوجدت التوبة تجزمها وتقطع سيء أثرها
لتوِّها، لكن هناك معصية تتسلسل فى الأصلاب وعارها يلحق الأحفاد من
الأجداد، ويتندر بها الرجال على الرجال، والولدان على الولدان، والنسوة على
النسوة، فالتوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العثار؛ لأنها مسجلة فى شهادة
الميلاد، وبطاقة الأحوال، والشهادات الدراسية، ورخصة القيادة، والوثائق
الرسمية،..إنها "تسمية المولود" التي تعثر فيها الأب فلم يهتد لاسم يقرَّه
الشرع المطهر، ويستوعبه لسان العرب، وتستلهمه الفطرة السليمة, فعلى
المسلمين عامة العناية فى تسمية مواليدهم بما لا ينابذ الشريعة بوجه، ولا
يخرج عن لسان العرب".
2- أثر الاسم فى تكوين شخصية الطفل:
فالطفل يتأثر نفسياً باسمه وكنيته، وتتأثر رؤيته لنفسه بذلك، فنجد بعض
الأطفال يعانون من اسمائهم لأنها تحمل معاني سيئة أو لغرابتها، فتسبب لهم
حرجاً عظيماً كلما تعرف عليهم أحد، فهذا يندهش وذاك يسخر وثالث يلوم الطفل
على ذنب لم يقترفه وكأنه هو الذى سمى نفسه، بينما لو منحه أبواه اسماً
جميلاً، ذا معنى ومغزى انعكس ذلك عليه بهجة وسعادة كلما تعرف عليه أحد
وعلَّق على اسمه بالمدح والإعجاب بمعنى الإسم.
ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن هناك علاقة وارتباط بين الاسم
والمسمى، وأن للأسماء تأثيراً على المسميات، وبالعكس، ويذكر رحمه الله
جانباً تربوياً هاماً فى اختيار الاسم، إذ أن صاحب الاسم الحسن يحمله اسمه
ويدفعه إلى فعل المحمود من الأفعال وذلك حياءاً من اسمه لما يتضمنه من
المعاني الحسنة، ويلاحظ فى العادة أن لسفلة الناس ولعليتهم أسماء تناسبهم
وتوافق أحوالهم.
3- اسم المرء عنوان هويته:فالاسم ذو الملمح الإسلامي يكون بمثابة الإقرار
على أن صاحبه من أهل الإسلام، وليس هذا فقط بل المعتزين بإسلامهم، الفخورين
بهويتهم الإسلامية، ولذلك أرشدنا النبي إلى أحب الاسماء فقال: ((تسموا
بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها
حارث وهمّام، وأقبحها حرب ومرّة)) صحيح.
فأحب الأسماء إلى الله تعالى ما تقرر حروفه أن صاحبه عبد لله تعالى، فيظل
صاحبه مستحضراً طوال الوقت معاني العبودية خاضعاً لمولاه جلّ وعلا، وكذلك
أسماء الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام، يظل صاحبها مستحضراً سيرة
النبي الذى يحمل اسمه وما قدَّم وبذل من أجل إبلاغ الرسالة وإعلاء كلمة
الحق والدين.
بينما تعكس أسماء بعض الأبناء خللاً واضحاً فى الاعتزاز بالدين والهوية
الإسلامية لدى والديهم الذين لم يجدوا غير أسماء الفنانين ولاعبي الكرة
ليحملها أبناؤهم، فيظل الولد طوال حياته يعيش فى دائرة التأثر بصاحب أو
صاحبة الاسم، ولا يبعد أن يقلده ويحاكيه بعد ذلك ويتخذه مثلاً وقدوة.
4- شدة عناية النبى صلى الله عليه وسلم بالأسماء وتحسينها:
فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه جداً من
الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال، حتى أنه مرَّ فى مسير له بين جبلين،
فسأل عن اسمهما؟ فقيل له: فاضح ومخز، فعدل عنهما ولم يمر بينهما.
ومنع النبي-صلى الله عليه وسلم- من كان اسمه حرباً أو مُرَّة أن يحلب شاة؛
فقد روي أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للقحة تُحْلَب: ((من يحلب
هذه))؟، فقام رجل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((ما اسمك؟))
فقال له الرجل: مُرَّة، فقال له رسول الله: ((اجلس))، ثم قال: ((من يحلب
هذه؟)) فقام رجل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((ما اسمك؟))
فقل: حرب، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((اجلس))، ثم قال: ((من
يحلب هذه؟)) فقام رجل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((ما
اسمك؟)) فقال: يعيش، فقال له –صلى الله عليه وسلم: ((احلب)). رواه مالك فى
الموّطأ، كتاب الاستئذان.
وكان ينهي عن التسمي بالاسماء القبيحة ويغيرها مبيناً العلة فى ذلك:
عن سمرة قال: قال رسول الله: (( لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً، ولا
نجيحاً، ولا أفلح، فإنك تقول: أثمّ هو؟ فلا يكون، فيقال: لا )) صحيح.
قال الخطابي رحمه الله: "قد بين النبي – صلى الله عليه وسلم- المعنى فى
ذلك، وكراهة العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها، وذلك أنهم
كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما فيها من المعاني؛ إما التبرك بها أو
التفاؤل بحسن ألفاظها، فحذرهم أن يفعلوا، لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه فى هذه
الأسماء إلى الضد، وذلك إذا سألوا فقالوا: أثمّ يسار؟ أثمّ رباح؟ فإذا
قيل: لا، تطيروا بذلك وتشاءموا به، وأضمروا الإياس من اليسر والنجاح،
فنهاهم عن السبب الذى يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه، ويورثهم الإياس من
خيره.
وكان يحب الأسماء ذات المعاني الطيبة، حتى ليدعو لأصحابها:
· فقال –صلى الله عليه وسلم- فى بعض القبائل العربية: ((أسلم سالمها الله،
وغفار غفر الله لها، وعُصية عصت الله ورسوله))، رواه البخاري.
· وقوله لما جاء سهيل بن عمرو يوم صلح الحديبية: ((سهل أمركم)).
· وقوله لبريدة لما سأله عن اسمه فقال: بريدة. قال: "يا أبا بكر، برد
أمرنا" ثم قال:"ممن أنت؟" قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: "سلمنا" ثم قال:
"ممن؟" قال: من سهم. قال: "خرج سهمك".
· حتى إنه كان يعتبر ذلك فى التأويل، فقال: "رأيت كأنا فى دار عقبة بن
رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طالب، فأولت العاقبة لنا فى الدنيا والرفعة،
وأن ديننا قد طاب".
فلتكن هذه هى أسماء أبنائنا..أسماء الأنبياء، أسماء العبودية لله تعالى،
وأسماء الصحابة الكرام.. خير البشر بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم-، كل اسم
حمل معنى من المعاني النبيلة الدافعة لكل خير والحاجزة لصاحبها عن رديء
الأخلاق والفعال, ولتنطبع في نفوسهم كل معاني الخير والاعتزاز بالدين الذي
تحمله أسماؤهم.
منقول من
مفكرة الإسلام