موضوع: إحياء سُنن المصطفى صلّىَ الله علية وسلم الأحد يوليو 24, 2011 3:02 pm
سُنة اليوم
"إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا"
إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات . فإن الشيطان يبيت على خياشيمه الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 238 خلاصة حكم المحدث: صحيح
الاستنثار: مأخوذ من النثرة: وهي طرف الأنف.
وقال الخطابي وغيره: هي الأنف.
وقال الأزهري: روى سلمة، عن الفراء: نثر الرجل واستنثر: إذا حرك النثرة في الطهارة، والله أعلم.
وأما اصطلاحًا: فالاستنثار: هو استفعال: من النثرة بالنون والمثلثة، وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي: يجذبه بريح أنفه، سواء كان بإعانة يده أم لا[5].
وكره مالك فعل الاستنثار بغير اليد؛ لكونه يشبه فعل الحمار[6].
والراجح عدم الكراهة؛ لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، والعلة التي ذكرها الإمام مالك ليست كافية في الكراهة.
وقال ابن الأعرابي وابن قتيبة: الاستنثار: هو الاستنشاق
والصواب الأول، وأن الاستنشاق غير الاستنثار.
فقد روى البخاري كان عمي يكثر من الوضوء ، قال لعبد الله بن زيد : أخبرني كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ فدعا بتور من ماء ، فكفأ على يديه ، فغسلهما ثلاث مرار ، ثم أدخل يده في التور ، فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة ، ثم أدخل يده فاغترف بها ، فغسل وجهه ثلاث مرات ، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ، ثم أخذ بيده ماء فمسح رأسه ، فأدبر به وأقبل ، ثم غسل رجليه ، فقال : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ . الراوي: عبدالله بن زيد بن عاصم المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 199 خلاصة حكم المحدث: [صحيح فجمع في الحديث بين الاستنشاق والاستنثار، ولو كانا واحدًا لم يجمع بينهما.
معنى الحديث:
أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن استيقظ من منامه ليلاً أن يستنثر ثلاثاً، وهذا الاستنثار إما أن يكون قبل الوضوء، وإما أن يكون في الوضوء كما يأتي في الأحكام، إن شاء الله. وعلل ذلك -عليه الصلاة والسلام- بأن الشيطان وهو شيطان الجن المصاحب للإنسان يبيت على هذا الموطن وهو الخيشوم الذي هو الأنف.
لغة الحديث:
قوله: إذا استيقظ تيقظ: هذا يكون بعد منام، أو بعد غفلة في اللغة، ويكون من نوم الليل، ونوم النهار جميعا فكل منام بعده يقظة، قوله: من منامه المراد بالنوم هنا نوم الليل دون نوم النهار؛ لأنه قال في آخر الحديث: فإن الشيطان يبيت على خيشومه والبيتوتة تكون في الليل فيقال: بات في الليل وظل في النهار.
قوله: فليستنثر الاستنثار: أصل استفعل تكون للطلب، يعني الغالب في اللغة أن استفعل تكون للطلب واستنثر هي استفعال من النثر، ولكن هنا ليس المراد منها طلب هذا الشيء، وإنما المراد المبالغة في النثر؛ لأن من أوجه اللغة أنه يزاد السين والتاء في الفعل فيكون سداسياً أو خماسياً بأجل تحقيقه، دون نظر إلى أن يكون معناها الطلب.
وهذا له أمثلة كثيرة ومنها قول الله -جل وعلا-: واستغنى الله استغنى: ليس معناه طلب الغنى، إنما استغنى يعني غنى غناً كاملاً، أما الباب فهو استفعل يعني للطلب، استسقى لطلب السقي، استغاث لطلب الإغاثة، استعان لطلب الإعانة، هذا هو الباب المطرد، لكن يخرج عنها يخرج عن هذا الباب أشياء.
فإذاً في قوله: فليستثنر يعني يبالغ في ذلك أو يتأكد ذلك، فإن الشيطان يكون لما هو بعيد عن الخير أو بعيد عن الأخلاق المرضية، ولهذا يقال للكافر شيطان، وللجن شيطان، وللفاسق شيطان، ويقال للبعيد عن الخير شيطان، فكلمة شيطان مأخوذة من الشَّطَن وهو البعد، والمقصود به هنا شيطان الجن؛ لأن الظاهر يدل عليه وهو الملازم للإنسان أما غير شيطان الجن، فإنه ليس كذلك، يعني ليس ملازما.
قال: يبيت على خيشومه يبيت: البيتوتة هي المكث ليلاً، والخيشوم هو الأنف، فكلمة خشم للأنف صحيحة لغة، والخيشوم أفصح، درجة الحديث حديث متفق على صحته.
أولاً: دلّ الحديث على الأمر بالاستنثار ثلاثاً لمن نام ليلاً فاستيقظ، وهذا الأمر اختلف فيه العلماء هل هو للوجوب أم للاستحباب؟ فقال بعض أهل العلم: إنه للوجوب؛ لأن ظاهر الأمر أو الأصل في الأمر الوجوب، وأمر هنا بالاستنثار ثلاثاً، والأمر للوجوب ولا صارف له عن ذلك.
والقول الثانى: أن الاستنثار مستحب، ووجه دلالته على الاستحباب أو وجه دلالة الحديث على الاستحباب أنه علله بأن الشيطان يبيت على خيشومه، والشيطان في بيتوته هذا مما يسعى المرء لإبعاده لكن ليس من جهة النجاسة فيطهر، ولا من جهة أمر معقول المعنى فيسعى في التطهير والتنقية منه، ولهذا لما علل بقوله فإن الشيطان يبيت على خيشومه دل على أن الأمر للاستحباب، والراجح من القولين هو الأول؛ لأن الأصل في الأمر كذلك ولا صارف، وما ذكروه من الصارف غير معقول المعنى، ولم يعده أكثر أهل العلم أو الجمهور في الصواب.
ثانياً: دل الحديث على أن الاستنثار يكون بعد الاستيقاظ، إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستثر ثلاث، هل هذا الاستنثار قبل الوضوء؟ أو بعد الوضوء؟ وهل إذا لم يكن يريد الوضوء يجب عليه الاستنثار مطلقاً؟ الظاهر من دلالة الحديث أن الاستنثار يكون مع الوضوء إما قبله، أو في أثناء الاستنشاق، ودلالة ذلك على أن الغالب في حال من يستيقظ ليلاً من منامه أنه يستيقظ للصلاة، ورعاية الغالب معتبرة في الأحكام.
ثالثاً: وهو الأخير دل الحديث على أن مصاحبة الشيطان، وكل بعيد عن الخير مما ينبغي على الإنسان أن يجتهد في تنزيه نفسه عنه والمبالغة في إبعاده، وهذا ظاهر من أن الاستنثار لإبعاد الشيطان عن هذا الموضع الذي يبيت فيه فكذلك شياطين الإنس وشياطين الجن التي تحتوش الإنسان في فعله هذا ما يذكره بأنه يجتهد في دفع أثر شيطان الجن ومقاربته له وتأثيره عليه، وكذلك يجتهد في دفع أثر شيطان الإنس وتحبيبه الشر وتقريبه السوء للمسلم.