الرجاء ركن من أركان العبادة؛ فالعبادة تقوم على الحب، والخوف، والرجاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجاء
والرجاء عمل عظيم من أعمال القلوب، والنصوص الشرعية متضافرة على ذكره، والثناء في أهله.
قال الله تعالى:
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ
رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57...].
فابتغاء الوسيلة إليه طلب القرب منه بالعبودية والمحبة؛ فَذَكَرَ مقاماتِ الإيمان الثلاثة الحب، والخوف، والرجاء.
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} [العنكبوت: 5].
وقال: {أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]. وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: «
لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه».
وفي الصحيح قال
: «يقول الله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي، فليظن بي ما شاء».
حد الرجاء:
1- قيل: الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة، ويُطَيِّب لها السير.
2- وقيل: هو الاستبشار بجود فضل الرب تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه.
3- وقيل: هو الثقة بجود الرب تعالى.
4- وقيل: هو النظر إلى سعة رحمة الله.
الجمع بين الخوف والرجاء والحب:
لا بدّ للعبد من سيره إلى الله من الجمع بين الأركان الثلاثة؛ فالحب بمنزلة
الرأس للطائر، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر
جيد الطيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقِد الجناحان فهو عرضة
لكل صائدٍ وكاسر كما قال ابن القيم رحمه الله.
أنواع الرجاء:
أنواع الرجاء ثلاثة، نوعان محمودان، ونوعٌ غرور مذموم؛ فالأولان: رجاءُ
رجلٍ عمل بطاعة الله على نور من الله؛ فهو راجٍ لثوابه، ورجل أذنب ذنوباً
ثم تاب منها، فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه، وإحسانه، وجوده، وحلمه،
وكرمه، فهذان النوعان محمودان.
والثالث: رجاء رجل متمادٍ في التفريط، والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل؛ فهذا هو الغرور، والتمني، والرجاء الكاذب.
الفرق بين الرجاء والتمني:
الفرق بينهما أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك صاحبه طريق الجد، والاجتهاد.
والرجاء يكون مع بذل الجهد، وحسن التوكل.
فالأول: كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها، ويأخذ زرعها.
والثاني: كحال من يشق أرضه، ويفلَحها، ويبذرها، ويرجو طلوع الزرع.
"تساؤل" أيهما أكمل: رجاءُ المحسنِ ثوابَ إحسانه، أو رجاء المسيء التائب مغفرةَ ربِّه، وعفوه؟
والجواب: أن هذه المسألة وقع فيها خلاف؛ فطائفة رجَّحت رجاء المحسن؛ لقوة
أسباب الرجاء معه، وطائفة رجّحت رجاء المذنب التائب؛ لأن رجاءه مُجَرَّدٌ
عن علة رؤية العمل، مقرون بالانكسار، وذلة رؤية الذنب.
الرجاء لا يصح إلا مع عمل:
فقد أجمع العلماء على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل.
أما ترك العمل، والتمادي في الذنوب؛ اعتماداً على رحمة الله، وحسن الظن به
عز وجل فليس من الرجاء في شيء، بل هو جهل، وسفه، وغرور؛ فرحمة الله قريب
من المحسنين لا من المفرطين، المعاندين، المصرين.
قال ابن القيم رحمه الله في شأن المتمادين في الذنوب؛ اتكالاً على رحمة
الله: "وهذا الضرب في الناس قد تعلق بنصوص الرجاء، واتَّكل عليها، وتعلق
بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا، والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة
رحمة الله، ومغفرته، ونصوص الرجاء.
وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب" (الجواب الكافي لابن القيم ص67 - 68).
ثم ساق رحمه الله أمثلة عديدة لما جاء عن أولئك.
ضابط حسن الظن:
قال ابن القيم رحمه الله: "فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما على انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتَّى إحسان الظن.
فإن قيل: بل يتأتى ذلك، ويكون مستندُ حسنِ الظنِّ سعةَ مغفرةِ الله،
ورحمته، وعفوه، وجوده، وأنَّ رحمَتَه سبقت غضبَه، وأنه لا تنفعه العقوبة،
ولا يضره العفو.
قيل: الأمر هكذا، والله فوق ذلك أجلُّ، وأكرم، وأجود، وأرحم، وإنما يضع ذلك
في محله اللائق به؛ فإنه سبحانه موصوف بالحكمة، والعزة، والانتقام، وشدة
البطش، وعقوبة من يستحق؛ فلو كان المعوَّلُ حسن الظن على صفاته، وأسمائه
لاشترك في ذلك البرُّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوُّه؛ فما
ينفع المجرمَ أسماؤه، وصفاته، وقد باء بسخطه، وغضبه، وتعرض للعْنته، ووقع
في محارمه، وانتهك حرماته؟!
بل حسن الظن ينفع مَنْ تاب، وندم، وأقلع، وبدَّل السيئة بالحسنة، واستقبل
بقية عمره بالخير والطاعة، ثم حسَّن الظن بعدها؛ فهذا هو حسن الظن، والأول
غرور، والله المستعان" (الجواب الكافي ص76 - 77).
فوائد الرجاء:
وبعد أن تبين لنا حدُّ الرجاء، وضوابُطه فهذه نبذه عن فوائده، وفضائله؛
فالرجاء إذا كان في محله، وعلى وجهه الصحيح يثمر ثمراتٍ عظيمةً؛ فمن فضائل
الرجاء، وثمراته ما يلي:
1
- إظهار العبودية، والفاقة، والحاجة إلى ما يرجوه العبد من ربه، ويستشرفه من إحسانه، وأنه لا يستغني عن فضله، وإحسانه طرفة عين.
2- أن الرجاء محبوبٌ لله؛ فالله عز وجل يحب من عباده أن يرجوه، ويأملوه،
ويسألوه من فضله؛ لأنه الملك الحق الجواد؛ فهو أجود من سئل، وأوسع من أعطى.
وأحب ما إلى الجواد أن يُرجى، ويُؤمل، ويُسأل.
3- التخلص من غضب الله؛ فمن لم يسأل الله يغضب الله عليه، والسائل راجٍ، وطالبٌ.
4- أن الرجاء حادٍ يحدو بالعبد في سيره إلى الله، ويطيِّبُ له المسير،
ويحثه عليه، ويبعثه على ملازمته؛ فلولا الرجاء لما سار أحد؛ فإن الخوف وحده
لا يحرك العبد، وإنما يحركه الحب، ويزعجه الخوف، ويحدوه الرجاء.
5- أن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة؛ فإنه كلما اشتدّ رجاؤه، وحصل له ما يرجوه ازداد حبًا لله تعالى وشكراً له، ورضاً به، وعنه.
6- أنه يبعثه على أعلى المقامات، وهو مقام الشكر الذي هو خلاصة العبودية؛ فإنه إذا حصل له مرجوّه كان أدعى لشكره.
7- أنه يوجب له المزيد من معرفة الله، وأسمائه، ومعانيها، والتعلق بها؛ فإن الراجي متعلق بأسمائه الحسنى، متعبدٌ، وداعٍ بها.
8 - أن المحبة لا تنفك عن الرجاء؛ فكل واحد منهما يمد الآخر، ويقويه.
9 - أن الخوف مستلزم للرجاء، والرجاء مستلزم للخوف؛ فكل راجٍ خائفٌ، وكل خائف راجٍ.
10- أن العبد إذا تعلق قلبه برجاء ربِّه، فأعطاه ما رجاه كان ذلك ألطفَ موقعاً، وأحلى عند العبد، وأبلغ من حصول ما لم يَرْجُه.
11 - أن في الرجاء من الانتظار، والترقب، والتوقع لفضل الله ما يوجب تعلق
القلب بذكره، ودوام الالتفات إليه بملاحظة أسمائه، وصفاته، وتنقُّلُ القلب
في رياضها الأنيقة، وأخذه بنصيبه من كل اسم، وصفة (
انظر:"مدارج السالكين"لابن القيم 2/36 - 55). اللهم إنا نسألك حبك، وخوفك، ورجاءك. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.