أميرة الورد Admin
عدد المساهمات : 1191 تاريخ التسجيل : 11/03/2011
| موضوع: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة أغسطس 05, 2011 7:00 am | |
|
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
أولا: أهمية الحدث. - يجتمع في شهر ربيع الأول أحداث ثلاثة، وهي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى المدينة ووفاته. ولا ريب أن كلاً منها كان حدثاً مهمًّا في حياة المسلمين، لا بل وفي حياة الثقلين أجمعين. - ويوافق بعض المسلمين النصارى وغيرَهم من الوثنيين، فيجعلون حدث المولد أهمَّ الأحداث الثلاثة، بل ويعتبره بعضهم أهمَّ أحداث السيرة النبوية قاطبة. - والحق أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم حدثٌ مبارك، حيث أشرق صلى الله عليه وسلم على الأرض بمولده، لكن هذا الحدث ليس له تميز عن سائر ولادات الناس لو لم يبعث ويرسل عليه الصلاة والسلام. - والحدث الأهم من ولادته هو هجرته صلى الله عليه وسلم التي أوجدت لنا المجتمع المسلم والدولة المسلمة التي استمرت قروناً طويلة، وقدمت للإنسانية حضارة فريدة على مرّ الزمن، ولأهمية هذا الحدث أرخ به عمر بن الخطاب والمسلمون بعده التاريخ الإسلامي. وقد روى ابن أبي شيبة عن الشّعبيّ أنّ أبا موسى كتب إلى عمر: إنّه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ, فجمع عمر النّاس, فقال بعضهم: أرِّخ بالمبعث, وبعضهم: أرِّخ بالهجرة, فقال عمر: (الهجرة فرّقت بين الحقّ والباطل فأرّخوا بها).[المصنف 7/26] - والحدث الأهم في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاته عليه الصلاة والسلام، لأن وفاته صلى الله عليه وسلم ليست كوفاة سائر الناس، ولا كسائر الأنبياء؛ إذ بموته صلى الله عليه وسلم انقطعت النبوات، وانقطع خبر السماء ووحي الله عن الأرض. - وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظم هذه المصيبة التي حلت بالمسلمين فقال: ((يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعَزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي)) [ابن ماجه (1599)]، قال السندي: "((فليتعزّ)) ويخفِّف على نفسه مؤونة تلك المصيبة بتذكّر هذه المصيبة العظيمة، إذ الصّغيرة تضمحلّ في جنب الكبيرة فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصّغيرة". [حاشية السندي على ابن ماجه (1599)] - وها هي أم أيمن رضي الله عنها بكت حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لها تبكين فقالت: (إني ـ والله ـ قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت، ولكن إنما أبكي على الوحي الذي انقطع عنا من السماء). [أحمد (12179)] - وعن أبي بردة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) [مسلم (2531)]. قال النووي: "((وأنا أمنة لأصحابي, فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون)) أي: من الفتن والحروب, وارتداد من ارتدّ من الأعراب, واختلاف القلوب, ونحو ذلك ممّا أنذر به صريحًا, وقد وقع كلّ ذلك".[شرح النووي (8/316) ] قال أبو العتاهية: اصبر لكـل مصيـبة وتجلَّد واعلـم بأن المـرء غير مخلَّـد واصبر كما صبر الكرام فإنها نُوبٌ تنوب اليوم تكشف في غد أوما ترى أن المصائب جمـة وترى المنيـة للعبـاد بمرصـد فإذا أتتك مصيبة تشجى بها فاذكر مصـابك بالنبي محمـد ثانيا: معرفة النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله. بشر النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله في آيات عدة في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} [الزمر:30]، وقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 34، 35]، وقوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } [آل عمران:144]، وقوله: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [سورة النصر]. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أنزلت هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداع. [سنن البيهقي (9464)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سألهم عن قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قالوا: فتح المدائن والقصور، قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: (أجَلٌ أو مَثَلٌ ضُرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نعيت له نفسه) [البخاري (4969)]. وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. قال ابن العربي: "وما من شيء في الدنيا يكمل إلا وجاءه النقصان ليكون الكمال الذي يراد به وجه الله" [العواصم من القواصم (ص59)]. وقد أشعر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أكثر من موطن بقرب أجله وانتقاله إلى جوار ربه، فعن معاذ بن جبل قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال: ((يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ـ أو قال: ـ لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري))، فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: ((إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا)) [ أحمد (21547)]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مرحباً بابنتي))، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكي؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت: أسر إليَّ: ((إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي)) فبكيت، فقال: ((أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين)) فضحكت لذلك. [البخاري (3624)، مسلم (2450)]. وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وقال: ((لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) [الترمذي (886)]. ثالثا: بداية المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم وسببه: كان سبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم مؤامرة اليهودية حين دست له السم في طعامه صلى الله عليه وسلم الذي دعته إليه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وأكل القوم فقال: ((ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة))، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ((مازلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهَري)) [أبو داود (4512)]. قال في النّهاية: "الأبهر عرق في الظّهر وهما أبهران, وقيل: هما الأكحلان اللّذان في الذّراعين, وقيل: هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة" [انظر: عون المعبود (21/151)]. وفي الحديث أن أم مبشِّر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما تتَّهِم بنفسك؟ فإني لا أتهم إلا الطعام الذي أكَلَ معك بخيبر، وكان ابنها مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((وأنا لا أتهم غيره، هذا أوان قطع أبهري)) [أحمد ح33415]. فجمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بين الشهادة على يد قتلة الأنبياء من اليهود وهي أكرم الميتات، وبين المرض والحمى وفيهما ما فيهما من رفع الدرجات. وأما أول معالم عود المرض إليه صلى الله عليه وسلم فكان بعد رجوعه من دفن أحد أصحابه، قالت عائشة رضي الله عنها: رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه، قال: ((بل أنا وا رأساه)) قال: ((ما ضرَّكِ لو متِّ قبلي فغسلتُك وكفنتُك ثم صليتُ عليك ودفنتك))، قلت: لكني ـ أو لكأني ـ بك والله لو فعلت ذلك لقد رجعتَ إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بُدئ بوجعه الذي مات فيه. [أحمد (25380)، وابن ماجه (1465)]. رابعا: تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين الموت والخلد: عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي))، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى))، قال: ثم أقبل عليَّ فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة)) قال: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: ((لا ـ والله ـ يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل والجنة))، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبُدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قضاه الله عز وجل فيه حين أصبح. [أحمد ( 15567)، الدارمي (78)]. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: ((إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله))، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا. [البخاري (3654)، مسلم (2382)]. وتقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: ((إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخيَّر))، فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: ((اللهم في الرفيق الأعلى))، فقلت: إذًا لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح. [البخاري (4437)]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من نبي يمرض إلا خيِّر بين الدنيا والآخرة))، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ } [النساء:69]، فعلمت أنه خير.[البخاري (4586)، ومسلم (2444)] واختلف العلماء في مراده صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى على أقوال، فقيل : الله عز وجل، وقيل: ملائكته، وقيل: أنبياؤه، وقيل: الجنة، ولكل منها دليل. قال ابن حجر: "قال الجوهريّ: الرّفيق الأعلى الجنّة، ويؤيّده ما وقع عند أبي إسحاق: الرّفيق الأعلى الجنّة, وقيل: بل الرّفيق هنا اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه، والمراد الأنبياء ومن ذكر في الآية، وقد ختمت بقوله: {وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}... وزعم بعض المغاربة أنّه يحتمل أن يراد بالرّفيق الأعلى اللّه عزّ وجلّ لأنّه من أسمائه، كما أخرج أبو داود من حديث عبد اللّه بن مغفّل رفعه: ((إنّ اللّه رفيق يحبّ الرّفق)) كذا اقتصر عليه, والحديث عند مسلم عن عائشة فعزوه إليه أولى. قال: والرّفيق يحتمل أن يكون صفة ذات كالحكيم, أو صفة فعل. قال: ويحتمل أن يراد به حضرة القدس, ويحتمل أن يراد به الجماعة المذكورون في آية النّساء، ومعنى كونهم رفيقًا تعاونهم على طاعة اللّه وارتفاق بعضهم ببعضٍ, وهذا الثّالث هو المعتمد، وعليه اقتصر أكثر الشّرّاح" [فتح الباري (8/137)]. وأما دليل من قال بأن المقصود هم الملائكة فهو قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن حبّان: ((أسأل اللّه الرّفيق الأعلى الأسعد, مع جبريل وميكائيل وإسرافيل)) [ابن حبان (14/555)]، وظاهره أنّ الرّفيق المكان الّذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين. خامسا: مرض النبي صلى الله عليه وسلم: بدأ المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع الأول، وقد نُقل إلينا بعض أخباره وأحواله صلى الله عليه وسلم في مرضه: من أحواله صلى الله عليه وسلم قبل اشتداد المرض: قالت عائشة: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرَّض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخطُّ رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكانت عائشة رضي الله عنها تحدِّث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه: ((هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس))، وأُجلس في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج إلى الناس. [البخاري (198)، ومسلم (418)]. قال ابن حجر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سبع قرب)): "قال الخطّابيّ: يشبه أن يكون خصّ السّبع تبرّكًا بهذا العدد; لأنّ له دخولاً في كثير من أمور الشّريعة وأصل الخلقة. وفي رواية للطّبرانيّ في هذا الحديث: ((من آبار شتّى))، والظّاهر أنّ ذلك للتّداوي لقوله في رواية أخرى في الصّحيح: ((لعلّي أستريح فأعهد)) أي: أوصي". [فتح الباري (1/303)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبٌ رأسه بخرقة فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر)). وقالت عائشة رضي الله عنها: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس))، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: ((إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس))، فخرج أبو بكر فصلى، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم. [البخاري (664)، مسلم (418)]. وعن أنس بن مالك قال لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه، فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يُقدَر عليه حتى مات. [البخاري (681)، مسلم (419)]. وعن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: ((أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟)) حرصاً على بيت عائشة، قالت عائشة: فلما كان يومي سكن. [البخاري ح3774]. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [البخاري (4439)، مسلم (2192)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُضِر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده))، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا، يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا عني)). قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. [البخاري (114)، مسلم (1637)]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال: ((لا تلدوني)) فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ((لا يبقى أحد منكم إلا لُد غير العباس فإنه لم يشهدكم)) [البخاري (4458)، مسلم (2313)]. قال ابن حجر: "قوله: ((لددناه)) أي: جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره, وهذا هو اللّدود. وفي قوله: ((فجعل يشير إلينا أن لا تلدّوني)), فقلنا: كراهية المريض للدّواء، وإنّما أنكر التّداوي لأنّه كان غير ملائم لدائه, لأنّهم ظنّوا أنّ به ذات الجنب، فداووه بما يلائمها, ولم يكن به ذلك" [فتح الباري (8/147)]. شدة وجعه صلى الله عليه وسلم: قالت عائشة: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري (5646)، مسلم (2570)]. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم))، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) [البخاري (5648)، مسلم (2571)]. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ويمسح وجهه بالماء وهو يقول: ((اللهم أعني على سكرات الموت)) [ أحمد (23835)، والترمذي (978)، وابن ماجه (1623)]. وعن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة: وا كرب أباه، فقال لها: ((ليس على أبيك كرب بعد اليوم)) [البخاري (2644)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن أمه أم الفضل قالت: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ بالمرسلات قالت: فما صلاها بعد حتى لقي الله. [البخاري (4429)، مسلم (462)]. مدة مرضه صلى الله عليه وسلم: قال ابن حجر: "اختُلف أيضاً في مدة مرضه عليه السلام، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوماً، وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه... وقيل: عشرة أيام، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح". [فتح الباري (7/736)].
| |
|
أميرة الورد Admin
عدد المساهمات : 1191 تاريخ التسجيل : 11/03/2011
| موضوع: رد: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة أغسطس 05, 2011 7:01 am | |
| سادسا: وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته: لا ريب أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً موضع للعبرة والعظة، لكنه صلى الله عليه وسلم اختص أمته ببعض النصح وهو في مرض موته، وهو مقبل على الآخرة مدبر عن الدنيا، فما هي آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم؟ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجداً))، قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجداً. [البخاري (1330)، مسلم (531)]. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى، قلت: يا أبا عباس، ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ((ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً))، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع... فقال: ((ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه))، فأمرهم بثلاث قال: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم))، والثالثة خير، إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها. [البخاري (3053)، مسلم (1637)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئاً يضر فيه قوماً وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم))، فكان آخر مجلس جلس به النبي صلى الله عليه وسلم. [البخاري (3628)]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: ((أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)) [البخاري (479)]. وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: ((الصلاةَ وما ملكت أيمانكم))، فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه. [ابن ماجه (1625)]. قال السندي: "قوله: ((الصّلاة)) أي الزموها واهتمّوا بشأنها ولا تغفلوا عنها، ((وما ملكت أيمانكم)) من الأموال أي أدّوا زكاتها ولا تسامحوا فيها... ويحتمل أن يكون وصيّة بالعبيد والإماء أي: أدّوا حقوقهم وحسن ملكتهم، فإنّ المتبادر من لفظ: ما ملكت الأيمان في عرف القرآن هم العبيد والإماء، قوله: ((حتّى ما يفيض بها لسانه)) أي: ما يجري ولا يسيل بهذه الكلمة لسانه، من فاض الماء إذا سال وجرى حتّى لم يقدر على الإفصاح بهذه الكلمة" [حاشية السندي على ابن ماجه (1625)]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم)) [ابن ماجه (2697)]. سابعا: اليوم الأخير من حياته صلى الله عليه وسلم: عن أنس بن مالك الأنصاري أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر، فتوفي من يومه. [البخاري (680)، مسلم (419)]، وفي رواية أخرى: وتوفي من آخر ذلك اليوم. [البخاري (754)]. قال ابن كثير: "وهذا الحديث في الصحيح، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال، وذهب النووي وابن رجب إلى أنه توفي ضحى ذلك اليوم" [البداية (5/223)، وانظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي (ص 23)، لطائف المعارف (ص 113)]. وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك، فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو علبة -يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات))، ثم نصب يده فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى)) حتى قبض ومالت يده. [البخاري (4449،5217)، مسلم (2443)]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفي، وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ البخاري (4982)، مسلم (3016)]. وعن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها وأصغت إليه وهو يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق)) [البخاري (2444)، مسلم (4440)]. قالت: فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: ((اللهم الرفيق الأعلى))، قالت: فكانت آخر كلمة تكلم بها ((اللهم الرفيق الأعلى)) [البخاري (4463)، مسلم (2444)]. قال ابن حجر: "وكانت وفاته يوم الاثنين بلا خلاف من ربيع الأول، وكاد يكون إجماعاً... ثم عند ابن إسحاق والجمهور أنها في الثاني عشر منه، وعند موسى بن عقبة والليث والخوارزمي وابن زبر مات لهلال ربيع الأول، وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه ورجحه السهيلي"، وهذا الأخير هو الذي اعتمده الحافظ. [فتح الباري (7/736)]. ثامنا: عُمْر النبي صلى الله عليه وسلم حين مات: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين. [البخاري (4466)، مسلم (2349)]. وصح مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما. [البخاري ( 3903)]. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. [مسلم (2353)]. وصح عن أنس رضي الله عنه أنها ستون سنة. [البخاري (5900)]. وجمع النووي بين الأقوال، فقال: "توفي صلى الله عليه وسلم وله ثلاث وستون سنة، وقيل: خمس وستون سنة، وقيل: ستون سنة، والأول أصح وأشهر، وقد جاءت الأقوال الثلاثة في الصحيح. قال العلماء: الجمع بين الروايات أن من روى ستين لم يعد معها الكسور، ومن روى خمساً وستين عد سنتي المولد والوفاة، ومن روى ثلاثاً وستين لم يعدهما، والصحيح ثلاث وستون". [تهذيب الأسماء واللغات للنووي (ص23)]. تاسعا: حزن الصحابة على فقد حبيبهم صلى الله عليه وسلم: قال ابن رجب: "ولما توفي اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية" [لطائف المعارف (ص114)]. عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنح.. فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، قال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: (ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وقال: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ}، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ َ}، فنشج الناس يبكون. [البخاري (3670)] وعن أنس أن فاطمة بكت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات فقالت: (يا أبتاه، من ربُّه ما أدناه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه) [النسائي (1844)] ويقول أنس رضي الله عنه: (قلّ ليلة تأتي علي إلا وأنا أرى فيها خليلي عليه السلام) ويقول ذلك وتدمع عيناه. [أحمد (12855)] وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه، وقال: (وا نبياه، وا خليلاه، وا صفياه) [أحمد (23509)]. ولما دفن قالت فاطمة عليها السلام: (يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!) [البخاري (4462)]. وقال أنس: (فما رأيت يوما قط أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة، وشهدت وفاته فما رأيت يوماً قط أظلم ولا أقبح من اليوم الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه) [أحمد (11825)]. قال أبو ذؤيب الهذلي: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا جميعاً بالإحرام، فقلت: مه؟! فقالوا: قبض رسول الله عليه وسلم. [انظر: فتح الباري (8/580)]. وقال عثمان: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحزن عليه رجال من أصحابه حتى كان بعضهم يوسوس، فكنت ممن حزن عليه، فبينما أنا جالس في أطم من آطام المدينة - وقد بويع أبو بكر – إذ مر بي عمر فسلم علي، فلم أشعر به لما بي من الحزن. [الطبقات الكبرى (2/84)]. لكن حزن الصحابة وعظيم المصاب لم يخرجهم عن الصبر والتصبر إلى النواح والجزع، قال قيس بن عاصم: (لا تنوحوا علي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنَح عليه). [النسائي (1851)]. عاشرا: غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه: قالت عائشة رضي الله عنها: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله، ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلِّم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه). [أبو داود (3141) ]. وعنها رضي الله عنها قالت: دخلتُ على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين، قال: ((فأي يوم هذا؟)) قالت: يوم الاثنين، قال: ((أرجو فيما بيني وبين الليل))، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرَّض فيه به ردع من زعفران، فقال: ((اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها))، قلت: إن هذا خلق، قال: ((إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة))، فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح. [البخاري (1387)]. قال ابن كثير: "والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء" [البداية (5/237)]. سئل أبو عسيب وقد شهد الصلاة على رسول الله: كيف صلِّي عليه؟ قال: فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر. [أحمد (20242)]. وعن سعيد بن المسيب قال: لما توفي رسول الله وضع على سريره، فكان الناس يدخلون زمراً زمراً يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمهم أحد. [مصنف ابن أبي شيبة (7/430)] قال ابن كثير: "وهذا الصنيع ـ وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه ـ أمر مجمع عليه لا خلاف فيه" [البداية (5/232)]. وعن أنس بن مالك قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يلحد وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم.[ابن ماجه (1557)] وعن أبي مرحب أن عبد الرحمن بن عوف نزل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: كأني أنظر إليهم أربعة. قال ابن إسحاق: "وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم" [انظر: سيرة ابن هشام (4/418)]. وعن أنس بن مالك قال: ولما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا. [الترمذي (3618)، ابن ماجه (1631)]. وفاة النبي صلى الله عليه وسلم د. منقذ بن محمود السقار
| |
|