موضوع: - الفرق بين الخطيئة والإثم . الجمعة أغسطس 05, 2011 8:23 am
- الفرق بين الخطيئة والإثم . قال تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) ([1])
ورد في سبب نزول هذه الآية والآيات التي قبلها أن " طعمة بن أبيرق " أحد " بني ظفر " سرق درعاً من جار له اسمه " قتادة بن النعمان " في جراب دقيق ، فجعل الدقيق ينتشر من خرق فيه ، وخبأها عند " زيد بن السمين " رجل من اليهود ، فالتمست الدرع عن " طعمة" فلم تُوجد ، وحلف ما أخذها وماله بها علم ، فتركوه ، واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها ، فقال : دفعها إلى " طعمة " ، وشهد له ناس من اليهود ، فقالت "بنو ظفر" انطلقوا بنا إلى رسول الله ، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا : إن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي ، وقيل همّ أن يقطع يده فنزلت الآيات : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) إلى قوله : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) . ([2]) وهذه الآيات الكريمة وإن كانت نزلت في حادثة معينة إلا أن توجيهاتها وأحكامها تتناول جميع المكلفين في كل زمان ومكان ". ([3] ) وقد اقترن ذكر "الخطيئة" و "الإثم" فما الفرق بينهما ؟
الخطيئة : من الخطأ ، وهو عدم الإصابة ، وقد تكون عن عمد ، وقد تكون عن غير عمد ؛ إلا أن غير العمد أكثر .. والجمع : الخطيئات والخطايا ... قال الراغب : " الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصوداً إليه فى نفسه ، بل يكون القصد سبباً لتولد ذلك الفعل منه كمن يرمى صيداً فأصاب إنساناً ، أو شرب مسكراً فجني جناية في سكره ". ([4]) والمستقرئ للفظ "الخطيئة " واستقاقاتها في القرآن الكريم يتأكد له ما قاله الأصفهاني . قال تعالى : (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة / 286 ) قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ) (النساء / 92 ) قال تعالى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) (الأحزاب / 5 ) قال تعالى : (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا) (الشعراء / 51 ) قال تعالى : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء / 82 ) قال تعالى : (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ) الأعراف / 161 فهذه الآيات وغيرها تدل على أن لفظ "الخطيئة" أكثر ما تستعمل في غير العمد . أما الإثم : فهو اسم للأفعال المبطئة عن الثواب ، وجمعة آثام ، قال تعالى : (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ([5]) يعنى في تناولهما إبطاء عن الخيرات . ([6]) والإثم لا يكون إلا عن عمد ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ) ([7]) فهذا دليل بيِّن أن الإثم هو ما يكون سبباً لاستحقاق العقوبة. قال الطبري : " وإنما فرق – سبحانه – بين الخطيئة والإثم ، لأن الخطيئة قد تكون من قبل العمد وغير العمد ، والإثم لا يكون إلا من العمد ، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما ". ([8] ) وقيل : إن المراد بالخطيئة المعصية الصغيرة ، والمراد بالإثم المعصية الكبيرة . ([9]) وقيل : الخطيئة : هي الذنب القاصر على فاعلها ،[color:1de7="rgb(255, 0, 255)"] والإثم : الذنب المتعدي إلى الغير كالظلم والقتل ونحوهما . ([10]) ومعنى الآية : ومن يكسب خطيئة من غير عمد ، أو إثماً متعمداً ، ثم يرم به بريئاً ، بأن ينسبه إليه ويحتال لترويج ذلك ، فقد احتمل (بهتاناً) وهو الكذب الفاحش على البريء بما ينبهت له ويتحير منه عند سماعه لفظاعته و (إثماً مبيناً ) أي ظاهراً لا خفاء فيه والإثم المبين هو الذي يستوجب العقاب والجزاء .
قال الرازي : " واعلم أن صاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم ، ومعاقب في الآخرة أشد العقاب ، فقوله : ( فقد احتمل بهتاناً ) إشارة إلى ما يلحقه من الذم العظــيم في الدنيــا ، وقوله : ( وإثماً مبيناً ) إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة . ([11])
فالسّر البلاغي في الجمع بين "الخطيئة" و "الإثم" وعطف الثانية على الأولى ،هو الاحتراس ، حتى لا يتوهم متوهم أن من يكسب خطيئة من غير عمد لا يستوجب العقاب والجزاء .
قال ابن عاشور : " وإنما جعل الرمي بالخطيئة وبالإثم في مرتبة واحدة وهى كون ذلك ( بهتاناً وإثماً عظيماً) ،لأن رمى البريء بالجريمة في ذاته كبيرة لما فيه من الاعتداء على حق الغير ". ([12])
وأفرد الضمير في قوله : ( ثم يرم به بريئاً) : لدلالة على أنه عائد على أحد الأمرين – الخطيئة أو الإثم – دون تعيين لأحدهما _ كأنه قيل : ثم يرم بأحد الأمرين . وقيل الضمير عائد إلى الكسب ، والتقدير : ثم يرم بكذبه بريئاً على حد قوله تعالى : (أعدلوا هو أقرب للتقوى ) ([13]) أي : العدل . ([14]) والتعبير بلفظ "احتمل " دون " حمل " تؤكد أن هناك معالجة ومكابدة بشدة في حمل الإنسان هذا الشيء الثقيل ، فالجريمة جريمتان وليست واحدة لقد فعل الخطيئة ورمى بها بريئاً ، وفاعل الخطيئة يندم على فعلها مرة ويندم علي إلصاقها بالبريء مرة ثانية . قال بن عاشور : التعبير بقولة : " احتمل " تمثيل لحال فاعله بحال عناء الحامل ثقلاً". ([15])
([1])النساء / 112
([2])النساء الآيات 105 إلى 113
([3])راجع : الكشاف للزمخشري 1/595 ، وتفسير ابن كثير 1/552
([4])المفردات للراغب ص 151
([5])البقرة /219
([6])المفردات للراغب ص 10 ، ومقاييس اللغة لأبن فارس 1/80