السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طريق الآخرة مع الأخلاق:
في رمضان يُمسك الواحد منَّا لسانه، فلا
يحرِّكه إلا لدعاءٍ، أو ذِكْرٍ وتسبيح، أو قراءة قرآن، ثم تجد الواحد منَّا
إذا تناثرَتْ من فمه كلمةٌ بذيئة، أو غيبة لأحد دنيئة، تجده يُسرع
بالاستغفار والتَّوبة.
فيتقوَّى بذلك على إمساك نفسه عن السِّباب
والشَّتم، والبذيءِ من القول، فيكون بالناس رحيمًا، وبوجهه بسَّامًا،
وبحبِّه مِعطاءً، وللأذى من الطريق مزيلاً، ولقضاء الحوائج مسرعًا،
ولمساعدة الضرير في الطريق منقذًا، وللزوجة محسنًا، ومع الأبناء متعاطفًا،
وللدنيا كلها سِراجًا وهَّاجًا، يشعُّ أخلاقًا راقية، وكلماتٍ مهذَّبة،
ورقةً وجمالاً ما بعده جمال.
فما أجملَك أخي الحبيب في رمضان!
كوكبةٌ كبيرة من محاسن الأخلاق، تتحلَّى بها، وتتربَّى عليها؛ لتنفعك فيما بعد رمضان.
طريق الآخرة مع القرآن:
فنظلُّ طوال يومنا نقرؤه، ونحرص على وضع
الإشارة على آخِر ما تلَوْناه منه، ثم نقرؤه ثم نقرؤه، فيصبح القرآن منَّا،
ونصبح منه متزامِنينِ متعانقَيْن.
فنستشعر أنَّنا ما تلوناه في غير رمضان
كما نَتْلوه في رمضان، فنجد بيننا وبين القرآن وُدًّا وحُبًّا شديدًا، ونجد
معه أَنسًا ورفيقًا، ليسا كغير رمضان.
فحقًّا وصدقًا؛ إنَّ التعايش مع القرآن في رمضان له مذاقٌ خاص، وروحٌ صافية، وجمال ما بعده جمال.
ولِمَ لا؟!
وهو الشهر الذي نزل فيه، فكان لنا هدايةً
ورحمة، ودستورًا يُنير لنا الطريق، ويفرِّج لنا كلَّ ضيق، ويحمل أمَّتَنا
من ضيق الضيق إلى سعادة وسرورٍ وثيق؛ فهو لنا الدُّستور، وطريق النُّور، لا
يهدي إلاَّ للتي هي أقوم، ويبشِّر المؤمنين العاملين به أنَّ لهم أجرًا
كبيرًا، قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].
طريق الآخرة مع الزُّهد:
اجعل من رمضان فرصة لِتَعلُّم الزهد؛ فلا تسرف في الأكل والشُّرب، واجعل لك منه القليل والكافي فقط؛ لتتزوَّد على الصيام والقيام.
أمَّا ما نُشاهده لدى بعض الناس أو كثيرهم
من إسرافٍ يكون في رمضان بشكل كبير، فيفيض الطَّعام والشراب عن الحاجات،
ثم لا يجد له مكانًا بعد ذلك إلاَّ حاويات القمامات!
فاستشعر يا أخانا في طعامك ما يجري في
الصُّومال التي يَفْتك الجوعُ بأهلها فتكًا، ولا يجدون ما يسدُّون به
جوعهم، كان الله في عونهم، ورفَعَ عنهم ما بهم.
واسأل ربَّك أن يُطعمهم بطعامه، ويَسْقيهم بشرابه، ويُنَزِّل عليهم سحائب رحمته، ويتولَّى أمورهم.
فيا أحباب رمضان، لِنتدرَّبْ فيه على الزهد، مستشعرين حال إخواننا في الصومال؛ فإن النِّعمة لا تدوم.
ثم انظر وتفكّر.
كم أنت منعَّم، وفي رغَدٍ عظيم، وسعة من الله الواسع العظيم!
واعلم أنَّه من لم يهتمَّ بأمر المسلمين
فليس منهم، فلا تَنسَهم بدعاء وفير، تَظْهر آثاره عليهم بخير كثير، وتَلْقى
به من ربِّ العباد الجزاءَ الجزيل، وأرسِل لهم إن استطعت ما يكون لك
طُهرة، ولهم نُصْرة، وسدًّا للجوع ودرءًا للعسرة.
طريق الآخرة مع الصبر:
فامتِناعنا عن الطعام والشَّهوات، وإمساك اللِّسان عن الهفوات، لا شكَّ أنه يربِّي فينا التحمُّل والتصبُّرَ والصبر.
فنتزوَّد من ذلك بالصبر على بلاءات الدنيا
ومتاعبها، ونتعلَّم أنه ليس كلُّ بلاء نقمةً، بل يكون معه وبين طياته
نِعمة، وأن ما يصيب المرء لم يكن لِيُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن
الصَّبر شطر الإيمان، ودليلٌ على جميل الخُلق والإحسان، فالصَّوم ظاهره
الامتناع والحرمان، إلاَّ أنه في مضمونه الرِّضا من الله وجزيل الإحسان،
والفوز بباب عظيمٍ اسمه الريَّان، في فسيح الجنان.
ثم يستشعر الواحد منَّا عند فطره - وبعد
صبره طول يومه عن الملذَّات - فرحةً غامرة، تكسو وجهه، وتشرح صدره، فتبعث
فيه روحًا جديدة، تؤكِّد له أن النصر مع الصَّبر، وأنَّ مع العسر يُسرًا،
وأنه مهما طال أمَدُ الألم والحرمان، فلا بُدَّ للخير والفرَجِ أن يأتي
إلينا من الكريم، مُهَرولَيْن مُسرعَيْنِ؛ جزاءً من ربٍّ كريمٍ بنا رحمن.
طريق الآخرة مع قيام الليل:
التَّراويح من أهمِّ ما يميِّز رمضان، فنصليها لتكون قيامًا لله؛ لنقف ونتشرَّف بالوقوف بين يديه.
ركعات ثمانية، ثم تستكمل بثلاثة، ثم
بدعاءٍ من الإمام يرقِّق به قلوبنا، ويُسيل به مدامعنا، ويزلزل به كياننا،
فنحظى بشرف قيام ليلةٍ كاملة، بعد تمام تراويحنا.
إنَّها النفحة الرمضانيَّة من ربٍّ لا يَقْبل لعباده إلاَّ أن يكون بهم كريمًا رحيمًا، عَطُوفًا جوادًا.
إنه التميُّز الذي ميَّز الله به رمضان، تميُّز القيام بين يديه.
ثم يحين موعد التهجُّد في العَشر الأواخر
من الشهر الحبيب، فتكون بمثابة التدريب الإيماني الروحاني الربَّاني
الكبير؛ فنَسمات الليل وقتها تكون جميلة، وتكون فيها السَّكينة، ونستشعر
بأن ملائكة السماء تُلاحِقُنا وتُزاحِمُنا، بل وتلتصق بأجسادنا، فيتحقَّق
بذلك صفاء النفس والروح والفكر، فما أحلى هذه المدرسة الإيمانية العظيمة؛
مدرسةَ القيام!
فيها يبتعد المرء عن كلِّ ما في الدنيا من
نعيم؛ ليقف بين يدي صاحب النعيم الأبديِّ؛ ربِّنا - عزَّ وجلَّ - متمنيًا
وراجيًا بذلك رحمةَ الربِّ الكريم.
ما أحلى الوقوف بين يدَيِ الله في السَّحَر!
ما أحلى قطرات الدموع التي تنهمر من خشية الله في السَّحر!
ما أحلى رفْعَ الأيدي إلى الله في السحَر!
ما أحلى الشكوى إلى الله في السحَر!
أقسمنا عليك يا ألله أن تُحرِّم وجوهَنا وآباءنا وأمَّهاتنا، وزوجاتنا وأبناءنا، وأقاربنا والمسلمين على النار.
طريق الآخرة في المشاعر والأحاسيس:
فرمضان يجعل الواحد منَّا رقيق القلب مع
الناس، فيبذل الجهد للنُّهوض بعلاقته معهم، فيكسب وُدَّهم، ويجلب حُبَّهم،
ويستحوذ على قلوبهم، فتنهض بذلك علاقاتُه مع الناس، فيجدِّدها ويُحْييها،
ويجدِّد فيها ومعها كلَّ جميل من المشاعر والإحساس.
فيظل في رمضان محسنًا للناس، زائدًا في الإحسان، طالبًا من الله الرِّضا والعفْوَ والغفران.
فتتربَّى بذلك نفسه، وتنهض بذلك روحه ومشاعره، فيصبح كالشجرة تمامًا؛ يقذفها الناس بالحجارة، وتُهْديهم هي أجمل الثَّمرة.
ويصبح المسلم في مجمله نجمًا يَهتدي به
الحيارى، ويسعد به الأشقياء، ويُستشفَى به المرضى، ويَفْرح به المحزون،
وينتصر به المهزوم، ويُستطعَم به الجائع، ويُستسقى به الظَّمآن، ويصير
مأوًى لكلِّ حيران، وراحةً لكل تعبان، ودواء لكلِّ مريض، وطريقًا لكل سالك،
ونموذجًا مميزًا لكل من أراد أن يحيا حياة السعداء، ويُختم له من الله بكل
قبول ورضاء.
يا رب، يا رب، يا رب:
أكرمتَنا ببلوغ رمضان، وأسعدتنا فيه بالصِّيام والقيام، فيا ربِّ لا تحرمنا من إتمام الشَّهر علينا وعلى المسلمين جميعًا.
ونسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سَمَّيتَ به
نفسك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن
ترفع البلاء والجوع عن المسلمين في الصُّومال، وأن تُنْزِل عليهم سحائب
رحمتك، اللَّهم إنا نسألك لهم رزقًا دارًّا، وعيشًا قارًّا، اللهم اقذف في قلوبهم رجاءك، اللهم وما ضعفَتْ عنـه قوَّتُهم، وقَصُر عنه عمَلُهم، ولم تنته إليه رغبتُهم، ولمتبلغه مسألتهم،ولم يَجْرِ على لسانهم مما أعطيتَ أحدًا من الأولين والآخرينمناليقين
والخير العظيم - فخُصَّ به أهل الصومال، وأطعِمْهم واسْقِهم، وآوِهم
واشفهم، وأنزِل عليهم فرَجَك، وأصلح أحوالهم، وفرِّج كُرْبتَهم، وأزِح
البلاء عنهم، وارحم أطفالَهم، وارحم أطفالهم، وارحم أطفالهم.
وصلاة وسلامًا تامَّيْن أكملَيْن على سيِّد ولد آدم محمَّد، طبِّ القلوب ودوائِها.
ابراهيم جلهوم