أميرة الورد Admin
عدد المساهمات : 1191 تاريخ التسجيل : 11/03/2011
| موضوع: المزدلفة(وادي محسر السبت أكتوبر 15, 2011 12:38 pm | |
| سبب التسمية:
قال الإمام النووي رحمه الله: "سُمي بذلك؛ لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيَّ فيه، وكلّ منه"[1]، وهو واد بين مزدلفة ومنى، وسمي به لأنه يحسر سالكه[2]، أي: يعيقه؛ لأن الوادي الذي هو مجرى السيل يكون في الغالب رملياً ويعيق سالكه؛ ولهذا سمي مُحسِّراً[3]، وهو بين جبلي دقم الوبر وذي مراخ الذي يقال له المريخات[4]، قال الأزرقي رحمه الله: "وادى محسر خمسمائة ذراع، وخمس وأربعون ذراعاً"[5] يعني أن هذا عرضه.
الأحكام المتعلقة بوادي محسر:
1- أنه ليس من مزدلفة:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "وليس وادي محسر من مزدلفة لقوله: ((وارفعوا عن بطن محسر))[6]"[7]، قال الماوردي رحمه الله: "وادي محسر ليس منها"[8] يعني مزدلفة، وقال النووي رحمه الله: "وليس وادى محسر من مزدلفة، ولا من منى، بل هو مسيل ما بينهما"[9].
استحباب الإسراع فيه:
يستحب إذا وصل الحاج إلى وادي محسر الإسراع إن كان ماشياً، وإن كان راكباً حرك دابته لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا" رواه مسلم (2137)، وعن جابر أيضاً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر"[10]، والإيضاع: هو سرعة السير[11]، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته، فخبت حتى جاوز الوادي"[12]، وغيرها من الأحاديث.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "يستحب الإسراع في وادي محسر وهو ما بين جمع ومنى، فإن كان ماشياً أسرع، وإن كان راكباً حرَّك دابته؛ لأن جابراً قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه لما أتى بطن محسر حرك قليلاً ... وذلك قدر رمية يحجر"[13]، وهذا الاستحباب باتفاق العلماء، وهناك وجه شاذ أنه لا يستحب للماشي الإسراع قال الإمام النووي رحمه الله: "وهذا الذى ذكرنا من استحباب الاسراع في وادى محسر متفق عليه، ولا خلاف فيه إلا وجهاً شاذاً ضعيفاً حكاه الرافعي أنه لا يستحب الإسراع للماشي، وليس بشئ"[14]، وكذا نص المالكية على استحباب ذلك[15]، وكذلك الأحناف[16].
وممن أنكر الإيضاع في وادي محسر:
1-
ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا القعاب والعصى، فإذا أفاضوا تقعقعوا، فأنفرت بالناس، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ذفري ناقته لتمس حاركها، وهو يقول: ((يا أيها الناس عليكم بالسكينة))[17].
2-
وأسامة بن زيد قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من عرفة، فأفاض بالسكينة، وقال: ((أيها الناس عليكم بالسكينة))، وقال: ((ليس البر بإيجاف الخيل والإبل)) فما رأيت ناقة رافعة يدها حتى أتى منى"[18].
3-
وكذلك طاووس اليماني، وعطاء وكان يقول: "إنما أحدث هؤلاء الإسراع يريدون أن يفوتوا الغبار"[19].
والجواب عن هذا:
-
أن القول في مثل هذا قول من أثبت دون قول من نفى[20].
-
أنه ليس فيهما تصريح بترك الإسراع في وادي محسر، فلا يعارضان الصريح باثبات الإسراع.
-
أنه لو صرح فيهما بترك الإسراع كانت رواية الإسراع أولى لوجهين: أحدهما: أنها إثبات وهو مقدم على النفي، والثانى: أنها أكثر رواة، وأصح أسانيد، وأشهر فهي أولى[21].
علَّة الإسراع:
قال الشافعي: "يجوز أنه فعله لسعة الموضع، أو لأنه مأوى الشياطين"[22].
وقال بعضهم: "أسرع؛ لأن بطن الوادي يكون ليناً يحتاج أن يحرك الإنسان بعيره؛ لأن مشي البعير على الأرض الصلبة أسرع من مشيه على الأرض الرخوة، فحرك من أجل أن يتساوى سيرها في الأرض الصلبة وسيرها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحظ هنا هو مصلحة السير فقط"[23]، "وقيل: أسرع؛ لأن الله أهلك فيه أصحاب الفيل، فينبغي أن يسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مرَّ بأراضي العذاب أن يسرع كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم حين مرَّ بديار ثمود في غزوة تبوك"[24]، قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله: "وهذه عادته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نزل بها بأس الله بأعدائه، فإن هناك أصاب أصحاب الفيل ما قصَّ الله علينا، ولذلك سُمِّي الوادي محسراً، لأن الفيل حسر فيه كما ذكره غير واحد من أهل العلم، قال النووي في قوله: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين" فيه الحث على المراقبة عند المرور بدار الظالمين، ومواضع العذاب، ومراده بالإسراع بوادي محسر لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة، والخوف، والبكاء، والاعتبار بمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك"[25].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وتعليل إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم في وادي محسر بذلك فيه نظر لأن أصحاب الفيل لم يهلكوا هنا، بل في مكان يقال له المُغَمَّسُ حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي:
حبس الفيل بالمُغَمَّسِ حتى ظل يحبو كأنه مكسور"[26]
وقيل إنما أسرع "لأن وادي محسر كان موقف النصارى، فاستحبت مخالفتهم"[27].
وقال الشوكاني رحمه الله: "وإنما شرع الإسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه، ويذكرون مفاخر آبائهم، فاستحب الشارع مخالفتهم"[28]، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: "أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم كما خالفهم في الخروج من عرفة، وفي الخروج من مزدلفة، ولعل هذا أقرب التعاليل"[29].
يُسن إذا أتى وادي محسر أن يقول ما قال عمر وابنه:
قال الدمياطي رحمه: "ويسن أن يقول فيه ما قاله عمر وابنه رضي الله عنهما:
إليك تعدو قلقاً وضيـنها معترضا في بطنــها جنينها
مخالفاً دين النصارى دينها قد ذهب الشحم الذي يزينها
ومعناه: إن ناقتي تعدو إليك بسرعة في طاعتك، قلقاً وضينهاً والوضين حبل كالحزام من كثرة السير والإقبال التام، والاجتهاد في طاعتك، والمراد صاحب الناقة"[30].
قال القاضي حسين في تعليقه: "يستحب للمار بوادي محسر أن يقول هذا الذي قاله عمر رضي الله عنه"[31]، وقال ابن قدامة رحمه الله: "ويروى أن عمر رضي الله عنه لما أتى محسراً أسرع، وقال:
إليك تعدو قلقاً وضيـنها معترضا في بطنــها جنينها
مخالفاً دين النصارى دينها"[32].
يستحب أن يكون مسافة الإسراع قدر رمية بحجر:
ويندب الإسراع فيه قدر رمية حجر حتى يقطع عرض الوادي الصغير الذي ببطن وادي محسر[33]، ودليل ذلك ما جاء أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر[34]، ومقدار رمية الحجر: خمسمائة ذراع، والذراع نصف المتر تقريباً[35].
اختصاص الإسراع بالرجال فقط دون النساء:
قال ابن الحاج الفاسي المالكي رحمه الله: "والرمل في الأشواط الثلاثة، وبين الميلين، وفي وادي محسر؛ مختص بالرجال دون النساء"[36].
أخذ حصى جمرة العقبة:
استحب ابن الحاج المالكي رحمه الله أخذ حصيات جمرة العقبة من وادي محسر على خلاف المذهب عند المالكية من استحباب أخذها من المزدلفة[37]، وكذلك أبو النجا الحنبلي رحمه الله صاحب زاد المستقنع[38].
حكم من وقف بوادي محسر ولم يقف في مزدلفة:
اختلف العلماء في حكم من وقف بوادي محسر ولم يقف بمزدلفة هل يجزئه ذلك أم لا على قولين:
القول الأول: أنه يجزئه مع الكراهة وهو قول في مذهب الأحناف اختاره الكاساني فقال: "ولو وقف به أجزأه مع الكراهة"[39].
القول الثاني:
أنه لا يجزئه ذلكوهو المشهور من مذهب الأحناف[40]، وكذا الشافعية قال الماوردي رحمه الله: "وادي محسر ليس منها، فإن بات لم يجزه"[41].
وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله، فقد سئل عن شخص نزل من عرفات قبل الغروب إلى خيام زملائه في وادي محسر، وجلس معهم حتى اليوم العاشر؛ فقال: "بما أنه نزل من عرفة قبل الغروب إلى خيام زملائه في وادي محسر وجلس معهم فهذا يدل على أنه ترك المبيت بمزدلفة، وإذا كان الأمر كذلك فقد ترك واجباً من واجبات الحج"[42]، وكذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال: "وليحذر الحاج من المبيت في وادي محسر، أو من وراء جمرة العقبة، لأن ذلك خارج عن حدود منى، فمن بات به لم يجزئه المبيت"[43].
من لم يستطع الإسراع:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والظاهر أنه لا يمكن الإسراع الآن؛ لأن الإنسان محبوس بالسيارات، فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، وربما ينحبس في نفس المكان يحبس فيعجز أن يمشي، ولكن نقول: هذا شيء بغير اختيار الإنسان، فينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع لأسرع، وإذا علم الله من نيته هذا فإنه قد يثيبه على ما فاته من الأجر والثواب"[44].
الإسراع فيه لغير الحاج:
استحب بعض الفقهاء الإسراع في وادي محسر لغير الحاج وذلك لأنه محل عذاب، فلا يصيبه ما أصابهم، وذلك مثل ديار ثمود[45].
والحمد لله رب العالمين.
[1] شرح النووي (8/190).
[2] المبدع (3/238).
[3] الشرح الممتع (7/314).
[4] دروس عمدة الفقه للشنقيطي (4/458) بتصرف يسير جداً.
[5] المجموع (8/129).
[6] رواه الطبراني وغيره (12033) وصححه الألباني.
[7] المغني (3/445).
[8] الحاوي (4/438).
[9] المجموع (8/143).
[10] رواه الترمذي (886)، والنسائي (3053)، وصححه الألباني.
[11] الاستذكار (4/276).
[12] رواه الترمذي (885)، وحسنه الألباني.
[13] المغني (3/452).
[14] المجموع (8/143).
[15] شرح مختصر خليل (7/448).
[16] الاختيار لتعليل المختار (1/164).
[17] رواه البيهقي (9313).
[18] رواه الحاكم (1709) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
[19] السنن الكبرى للبيهقي (5/127).
[20] السنن الكبرى للبيهقي (5/127).
[21] المجموع (8/147).
[22] شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/512).
[23] الشرح الممتع (7/315).
[24] الشرح الممتع (7/315).
[25] حاشية الروض المربع (7/139) وانظر زاد المعاد (2/235).
[26] الشرح الممتع (7/316).
[27] المجموع (8/143).
[28] نيل الأوطار (5/123).
[29] الشرح الممتع (7/316).
[30] إعانة الطالبين (2/349).
[31] المجموع (8/144).
[32] المغني (3/452).
[33] شرح البهجة الوردية (8/44).
[34] رواه البيهقي (9311) ومالك في الموطأ (486).
[35] الشرح الممتع (7/317).
[36] المدخل (4/226).
[37] شرح مختصر خليل (7/492) ومواهب الجليل (8/167).
[38] زاد المستقنع (ص92).
[39] بدائع الصنائع (2/136).
[40] البحر الرائق (2/368) وانظر شرح فتح القدير (2/484).
[41] الحاوي (4/438).
[42] فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة (ص104).
[43] المنهج لمريد الحج والعمرة (ص33).
[44] الشرح الممتع (7/317).
[45] الموسوعة الفقهية الكويتية (42/344).
| |
|