أميرة الورد Admin
عدد المساهمات : 1191 تاريخ التسجيل : 11/03/2011
| موضوع: التحذير من البلية بالالتحاق بالمدارس الأجنبية الجمعة نوفمبر 18, 2011 10:30 am | |
| التحذير من البلية بالالتحاق بالمدارس الأجنبية
يفرح الأب المسلم بمجيء مولود جديد له، ويحاول أن يحتفل بذلك وفقا للهدي النبوي، فيقيم عقيقة ويدعو النّاس للوليمة، ويستمر الفرح مع نمو الطفل. ويضع دائما في خاطره حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»، فيسعى كل السعي للحفاظ على فطرته سليمة نقية من شوائب الشرك والاعتقاد.
ولكن ما أن يشب الطفل ويبلغ سن الدراسة، حتى تبدأ الحيرة أمام والديه: أية مدرسة يلتحق بها؟! هل نلحقه بالمدارس العربية أم بالمدارس الأجنبية؟ وتكون النتيجة غالبا لصالح الأخيرة لعدة مبررات يحسب من يطلقها في وجه الناصح أنّها في غاية القوة.
فهم يقولون: لقد وصى ديننا على تعلم لغة غيرنا حتى نأمن مكرهم، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
أقول: نعم لقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم له لغة اليهود، لأنّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمنهم على كتبه إليهم. ولكن انظر إلى قول زيد بن ثابت رضي الله عنه عن وقت تعلم هذه اللغة، قال: "فتعلمت كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته"، وفي رواية "سبعة عشر يوما".
فانظر رحمك الله إلى الفرق: طلبة اليوم ينفقون من أعمارهم اثنان وعشرون عاما لإتقان اللغة الأجنبية، ويشغلهم ذلك تماما عن تعلم لغتهم الأصلية لغة القرآن بحيث لا يتقنونها.
كذلك لنا ملاحظة: فلقد كان سبب اختيار زيد بن ثابت رضي الله عنه لتعلم السريانية هو حفظه لبعض سور القرآن الكريم، وهو ما يستلزم حذقه للغة العربية، ممّا يعني أنّ هذا هو الضابط الذي يحكم تعلم اللغات الأجنبية.
ويقولون: هل تريد أن تتخلف عن الركب وتكون رجعيا. فالحداثة في نظرهم هي الكلام باللغة الأجنبية، وإدخال عدة كلمات أجنبية في وسط الحوار معك حتى يشار إليك بالبنان، ويقال: هذا يجيد اللغة الإنجليزية.
إنّ المغلوب ينهزم نفسيا ومعنويا أمام الغالب، ولذلك فمنذ غزو الغرب الصليبي لديارنا ونحن ننظر إلى لغتهم نظرة تقديس وإكبار. وهذا بسبب ضعف نفوسنا ومعنوياتنا، وسوف يظل الحال هكذا ما لم نبدأ بالرجوع إلى أصالتنا المتمثلة في لغتنا الأصلية لغة القرآن وتعود ثقتنا بها واعتزازنا بها.
ويقولون: هل تريد أن يكون ابنك شحاذا؟ إنّ من لا يتعلم اللغة الإنجليزية فلن يجد له مكانا في سوق العمل، ولن يجد له مكانا في قطار الوظائف.
وأقول: نحن الذين فعلنا ذلك بأنفسنا، فما حاجة العمل كمحاسب ـ مثلا ـ للغة الإنجليزية في عمله، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فلو لم نتجه بهذه الأعداد الكبيرة والمتزايدة إلى مدارس اللغات الأجنبية، لما زاد الطلب عليها بهذا الشكل الذي نجده الآن. ومن ناحية ثالثة، فالمسلم لا يفعل جميع أعماله وهو يبتغي الدنيا فقط ولا شيء سواها. بل على العكس، يجب أن تكون جميع أعماله خاضعة لميزان الآخرة ولما يرفع درجته فيها. فلو لم يبتغ المسلم من تعليمه للغة العربية سوى وجه الله وإتقان لغة قرآنه لكفاه ذلك، ولآتاه كذلك الرزق المقدر له، والذي لم يكن ليزيد لو اتجه لاتجاه آخر.
ويقولون: ومن قال إنّ القرآن في خطر؟ سوف نقوم بتعليم القرآن للأولاد في فترة الإجازة!
ونرد عليهم بنفس حجتهم: ولماذا لا يحدث العكس وتعلمهم أنت اللغة الأجنبية في فترة الإجازة؟ ذلك أنّ قيامك بتدريس اللغة الأجنبية لطفلك في فترة الدراسة، ثم تعليمه القرآن في فترة الإجازة، سوف يرسخ داخله أنّ الأصل هو اللغة الأجنبية لأنّها هي التي تنال الجهد والوقت بدراستها بشكل منتظم، وأمّا القرآن فهو شيء زائد كمالي لن يؤدي تعلمه إلى شيء.
وهناك من يقول: إذا لم يكن هناك سبب ذاتي وراء الالتحاق بهذه المدارس، فلنعمل مثلما يعمل بقية النّاس.
وهؤلاء نقول لهم: لا تكن إمعة! تسير في ركب النّاس.
وبالرغم من أنّ معظم الآباء الذين يلهثون وراء تعليم أولادهم اللغة الأجنبية هم ممّن كانوا يدرسون في مدارس اللغة العربية، إلاّ أنّهم ـ بالرغم من ذلك ـ لا يتقنون اللغة العربية تماما. فهناك الكثيرون الذين أسألهم عن بعض معاني مفردات القرآن، وأجدهم لا يعرفونها. فعلى سبيل المثال ما معنى قوله تعالى: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} في سورة الفلق التي تتكرر قراءتها في اليوم الواحد عدة مرات؟ وما معنى التعبير: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [سورة ص: من الآية 3]؟ وما هو مفرد الكلمة {صَيَاصِيهِمْ}؟ فإذا كان الحال هكذا، فكيف بأبنائهم حينما يدرسون اللغة الأجنبية ويبتعدون تماما عن اللغة العربية أصل القرآن؟ وإذا كنت لا تعرف معاني هذه المفردات في لغتك، وهي من أساسيات فهم القرآن، الذي هو كذلك من أساسيات تدبر القرآن، وهذه هي لغتك الأصلية ـ فلماذا إذن تحاول تعليم أولادك لغة أخرى غيرها قبل أن تتقن لغتك الأم؟
ونزيد على ذلك بالتساؤل: ما جدوى دراسة مادة الرياضة باللغة الإنجليزية على سبيل المثال؟ وما هي الجدوى من وراء دراسة الأدب الإنجليزي؟ وحفظ قصص شكسبير ودراسة ما فيها من أفكار تتنافى مع طبيعة المجتمع الإسلامي؟ لماذا لا نسعى لدراسة الأدب العربي، وإتقان الشعر العربي ومعرفة بحوره. أليس هذا من الأجدى لنا؟ بل أود التنبيه إلى وجود رأي بدأ يسود بين علماء التربية، مفاده أنّ الأطفال الذين يتلقون دروسا في لغة أخرى قبل إتقان لغتها الأم، فإن ذلك يؤدي لعدم تقدمهم في اللغتين معا، وهو ما يعرف بظاهرة "الاعتماد المتبادل" interdependence.
ولعلنا نفهم الموقف بشكل أعمق إذا ما نظرنا إليه نظرة تاريخية. ذلك أنّه بعد احتلال الإنجليز لمصر بدءً من عام 1882، فقد تولى "القسيس دنلوب" مقاليد وزارة المعارف (التعليم) المصرية الإسلامية، ليشرف على وضع المناهج وتفريخ أجيال المسلمين الجدد. وكان الهدف الأساسي لهذا القسيس هو ضرب الأزهر، بما يمثله من حفاظ على اللغة العربية، وهي لغة القرآن، وذلك بفتح مدارس جديدة تعلم "العلوم الدنيوية". في هذه المدارس تختصر العلوم الشرعية من قرآن وتفسير وعلوم حديث وفقه وعقيدة وشريعة وأصول فقه إلى مادة واحدة فقط تسمى (التربية الدينية). وليس هناك أدنى اهتمام بهذه المادة فهي خارج المجموع، أي أن المواد الاجتماعية على سبيل المثال أهم منها، بل تأتي اللغة الأجنبية لتتربع على القمة بلا منازع، فهي السيدة التي تدور في فلكها بقية المواد الأخرى، وأولها اللغة العربية. وهكذا فُرضت لغة المستعمر بسياسة الأمر الواقع، مع انتهاج كل الوسائل الممكنة التي تؤدي لضياع لغة البلاد الأصلية.
والآن نود أن نعرف لماذا يحرص الغرب الصليبي على ذلك؟ هل هو حريص على أن يتخرج أجيال من المسلمين على أعلى مستوى من التعليم لخدمة قضايا التنمية والتقدم في بلادنا؟ أم أنّهم يخططون لإفراز أجيال من المسلمين مقطوعي الصلة بماضيهم، غير واعين بعقيدتهم يقفون هم بأنفسهم حجر عثرة أمام تحقيق طموحات شعوبهم وآمالها بتطبيق نصوص دينهم والالتزام بعقيدتهم؟ ماذا يخشاه الغرب من دراسة المسلمين لأصول دينهم؟ إنّهم يخشون رجوع المسلمين لعقيدتهم والالتزام بنصوصها وخاصة مفهوم الجهاد. بل أقول إنّ من الأجيال التي درست في هذه المدارس لا يستطيع بعضهم أن يفكر باللغة العربية، فهو يفكر باللغة الإنجليزية، ثم يترجم ما فكر فيه إلى اللغة العربية. فكيف سيتمكنون ـ والحال هكذا ـ من حل مشكلات مجتمعاتهم؟ وكيف سيدخل الجيل القادم المعركة الحاسمة مع الغرب الصليبي وهو غير فاهم لدستوره الذي بين يديه (القرآن الكريم)؟
والآن لننظر: ماذا أفادت اللغات الأجنبية في قضية التعليم في الوطن الإسلامي؟ هل أدت لحدوث نهضة تنموية في علوم الطب والصيدلة والتشريح والهندسة بحيث تفرز أبحاث خاصة بتلك الدول تعتمد عليها في تحقيق نهضتها الموعودة. إنّ جميع المكاسب التي تحققت هي مكاسب فردية مادية دنيوية لم تصب في جانب المجتمع والدين.
لقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ اْلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [سورة الروم: 7]، قال ابن كثير في تفسيره (ج: 3 / ص: 558): "أي: أكثر النّاس ليس لهم علم إلاّ بالدنيا وأكسابها وشئونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة". قال الحسن البصري: "والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنّه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي". وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: "يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال".
وقال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِاْلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [سورة الكهف: 103-104].
أيّها المسلم... اعلم أنّك موقوف بين يدي الله، فسائلك عن رعيتك: هل حافظت عليها أم ضيعت؟ فاعدد لهذا السؤال جوابا، وابتغ وجه الله تعالى عند اتخاذ قرارك بتعليم أولادك. طريق الإسلام
| |
|