موضوع: الفرقة الناجية صفاتها وسبيل اللحاق بها السبت مارس 26, 2011 9:22 am
يؤرق كثير من المثقفين اليوم الحديث عن الفرق الإسلامية وعن خلافاتها، وما لها وما عليها، بدعوى أن الكل يدعي وصلا بليلى، فكل جماعة تدعي لنفسها النجاة وتصف غيرها بالمخالفة والبدعة بل وربما الكفر، ما دفعهم من أجل إنهاء هذا التفرق والاختلاف وما يسببه من احتكاكات بين المسلمين ربما تحولت في كثير من الأحيان إلى حروب وصراعات دموية، إلى انتهاج أسلوب تصالحي، يبقي على الخلاف ولا يعالجه، وينظر إلى خلافات المسلمين - ولو في العقائد - على أنه في إطار المسموح به، وكلٌّ على حق أو على الأقل الكل مجتهد ولكل مجتهد نصيب. وهذا المنهج التصالحي - وإن كان يحاول - لملمة الأمة والمحافظة على وحدة هشة بينها إلا أن فيه مفاسد عظيمة: الأولى: أنه سيدفع بالكثير إلى الاكتفاء بما عنده من غير أن يكلف نفسه عناء البحث عن الحق وطلبه، وهذا مخالف لما أمر الله به من وجوب اتباع الحق والخضوع له، ورد الأمر إليه عند التنازع والاختلاف. الثاني: أنه سيفتح الباب على مصراعيه أمام المبتدعة والزنادقة لينشروا فسادهم وباطلهم بدعوى حرية التعبير وأن الأمة مشغولة بما هو أهم. وعليه فلا يجوز أن ننساق وراء وحدة موهومة على حساب ثوابت ديننا وأركانه. بل يجب الوقوف أمام البدع بإنكارها، وإلا وقع المسلمون فيها واستحقوا وعيد الله بالنار والهلاك والخروج من الطائفة الناجية والله المستعان. ونحن في هذا المقام وإن كنا نخالف من يرى انتهاج الأسلوب التصالحي إلا أننا نرى وجوب فهم ظاهرة الاختلاف وفق المفهوم الشرعي، بعيداً عن الإفراط والتفريط والمفاهيم المطاطة المجملة، لذا ارتأينا أن نقف وقفات مع "حديث الافتراق" لنوضح معانيه وحكمه، ولنعرض للقارئ الكريم فكرة متكاملة عنه. حديث الافتراق: هذا الحديث رواه عدد من الأئمة وورد بروايات متعددة من طرق مختلفة، نذكر منها رواية ابن ماجه وابن أبي عاصم عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( افترقتُ اليهود على إحدى وسبعينَ فرقةً، فواحدةٌ في الجنَّة وسبعون في النار، وافترقت النَّصارى على ثنتين وسبعين فرقةً، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده؛ لتفترقنَّ أُمَّتي على ثلاث وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة، وثنتان وسبعون في النار". قيل: يا رسول الله! مَن هُم؟ قال: "الجماعة" ). يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن افتراق الأمم السابقة في دينها، وهو افتراق أوجب بينها العداوة والبغضاء، ويُقْسِمُ صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستفترق كما افترق من قبلها من الأمم. ويوصي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث بملازمة الجماعة، ومن هنا تظهر لنا معالم هذا الحديث الذي اشتمل على ذكر السنة الكونية في اختلاف الأمم، وأن هذه السنة لن تتخلف عنها أمة الإسلام، وأن علاجها هو التزام جماعة المسلمين. وإذا كان الأمر على ما ذكرنا كان من المناسب في هذا المقام أن نذكر تفصيل العلاج الرباني للنجاة من الاختلاف والافتراق الذي يحيق بالأمة، وينفي عن أكثر فرقها صفة النجاة المطلق، ويلحقها بوعيد شديد من رب العالمين، فما نوعية هذا الخلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيحصل وسيفرق الأمة؟ وما هي صفات النجاة التي من تمسك بها كان من الناجين المرحومين؟ وما حكم الفرق الضالة؟ هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنحاول الإجابة عليه في مقالنا هذا، ومقالات لاحقة، سائلين الله التوفيق والسداد. أولاً: الخلاف المذموم: بالطبع ليس كل خلاف في الدين مذموماً وموجباً للفرقة، والهلاك، فقد اختلف الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في فروع عملية من الدين فلم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم خلافهم، بل أقر كل قائل وقوله، وإنما الخلاف المذموم هو الذي يوجب مفارقة صاحبه للطائفة الناجية، وفي ذلك يقول الإمام القرطبي : "وهذا يبين أن الافتراق المحذر منه.. إنما هو في أصول الدين وقواعده، لأنه قد أطلق عليها مللاً، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار. ومثل هذا لا يقال في الفروع، فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار، قال الله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا }(المائدة: 48)". فظهر بهذا أن الخلاف المذموم الذي يستحق صاحبه الوعيد الوارد في حديث الافتراق هو ما كان في المسائل التي قام النص الصريح أو الإجماع المتيقن على إثباتها، كالقول بالشفاعة وعذاب القبر ورؤية الباري في الجنة، وما إلى ذلك من مسائل كان خلاف من خالف فيها مبتدعا خارجا عن إجماع المسلمين. صفات الفرقة الناجية: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان أوصاف الطائفة الناجية حتى يتصف بصفاتها من أراد الدخول فيها، وحتى لا يدعي الدخول فيها من ليس من أهلها. فوصفها صلى الله عليه وسلم بأنها الجماعة كما في حديث عوف بن مالك المتقدم عند ابن ماجه ، ووصف منهجها بأنه: (ما كان عليه وأصحابه) كما في حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي ، ووصف نسبتهم في الأمة بأنهم ( السواد الأعظم ) كما في حديث أبي أمامة عند ابن أبي عاصم . فهذه هي أوصاف الفرقة الناجية، ومن المهم أن نعرض لها بشيء من التفصيل حتى يتبين مجمل وصفه صلى الله عليه وسلم: فوصف الجماعة الوارد في الحديث معناه -كما ذكر بعض العلماء- الدخول تحت طاعة الإمام الشرعي، فمن صفات الفرقة الناجية أنهم لا ينزعون يدا من طاعة من ولاه الله أمرهم واستوفى شروط ولايته، فلا يخرجون على إمام من أئمة المسلمين إلا أن يروا كفرا بواحاً. وأما الوصف الثاني فهو متعلق بمنهج هذه الطائفة الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: "ما كان عليه وأصحابه"، وهذا يشمل موافقة هذه الفرقة الناجية لمنهج السلف الصالح من الصحابة في الاعتقاد والسلوك والعبادة وفي أصول النظر. ووفق هذا المنهج فإن دعوة البعض اليوم إلى عصرنة الإسلام من خلال استحداث مناهج نظر جديدة أو من خلال مخالفة الإجماع الثابت في قضايا مضى العمل عليها عند المسلمين، كرجم الزاني وقطع يد السارق بدعوى أنها لا تتناسب مع معطيات العصر ومتطلباته كل ذلك يعد خروجا عن صفات الفرقة الناجية والدخول في عداد الهلكى من الفرق الضالة. وأما الوصف الثالث للفرقة الناجية فهي أنها السواد الأعظم أي أن أغلب المسلمين منتمون إليها، وهذا يختلف باختلاف الأعصار والأمصار غير أن هذه الصفة متحققة تمام التحقق في عصر الصحابة وعند ظهور بدايات الفرق من الخوارج والقدرية وغيرهم فقد كانوا قلة قليلة أمام جمهور المسلمين المتمركز حول الصحابة رضوان الله عليهم. ولا زالت هذه الحال بالنسبة للقرون الأولى الفاضلة حتى بدأ ميزان الأمة يختل، فغلبت بعض البدع على بعض الأمصار والبلاد، فتجد أن القطر الفلاني قد غلبت عليه البدعة، في حين أن القطر الآخر قد غلبت عليه السنة، وهكذا إلا أن الأغلب -في نظرنا- في مجموع الأمة اليوم أنهم على السنة وداخلون في الفرقة الناجية ولو من جهة الاعتقاد. فهذه هي صفات الفرقة الناجية وهي صفات الأمة كما يريدها الله سبحانه فهي في إطارها السياسي لا تخرج عن طاعة إمامها الشرعي، وفي منهجها لا تخرج عن منهج الصحابة رضوان الله عليهم في الاعتقاد والسلوك والعبادة والنظر، نسأل المولى عز وجل أن يجعلنا من الناجين المتمسكين بشرعه وهديه، وأن يجنبنا مضلات الفتن، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.