أول
شئ نسب الوزر إليهما جميعا مع أن الذي تكلم واحد كان يحدِّث الذي بجواره و
الذي بجواره سكت معناه أنه صار شريكا له في الإثم ، مادمت سكت فالسكوت
علامة الرضا ... معناه أنك موافق .. لو قلت له اتق الله تكون قد برأت من
المعصية لكن تسكت أو تستحي فأنت شريك في الوزر و العياذ بالله ..تماما مثلك
مثله لا فرق .. و لذلك قال لهما " كلا من جيف هذا الحمار" و قال لهما " ما نلتما من عرض هذا الرجل آنفا أشد من أكل هذه الجيفة "
يعني أكل الجيفة أخف ... لماذا؟ لأن الإنسان لو أكل من جيفة حمار منتن لم
يؤذ مسلما .. لم ينتهك عرض مسلما ..لا تتعلق بذمته حقوق العباد ، فلا شك
أن آكل لحوم الحمر المتجيفة و المنتنة خير من آكل لحوم البشر .. لأن أكل
لحوم البشر يترتب عليه هذه الأشياء التي ذكرناها .
و عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال " كانت العرب يخدم بعضهم بعضا في الأسفار .. عادة العرب أن يكون معهم خدم في الأسفار - و هذا الحديث رواه الضياء في الأحاديث المختارة بإسناد صحيح -.. و كان مع أبي بكر و عمر- رضي الله عنهما – رجل يخدمهما فاستيقظا و لم يهيئ لهما طعاما فقال أحدهما لصاحبه .. و انتبهوا جيدا لكلمة فقال أحدهما ، واحد فقط الذي تكلم .. إن هذا ليوائم نوم بيتكم " هذا كل ما قاله ، يعني وجدوا إن هذا الخادم تأخر في النوم أو أطال النوم حتى أنه لما استيقظا لم يكن قد أعد الإفطار أو الطعام .
فهم في
حالة سفر و الإنسان المفروض في السفر لا يتمادى في تعاطي راحة البدن ،
حالة السفر تحتاج نوع من الأهبة و الاستعداد و الإنسان لا يتصرف كأنه في
بيته فمعناه أن نومه يكون خفيف عن هذا ..
فقال "
إن هذا ليوائم نوم بيتكم " فأيقظاه فقالا ائت رسول الله صلى الله عليه و
سلم فقل له إن أبا بكر و عمر يقرئانك السلام و هما يستئدمانك – هذه صيغة طلب يعني يطلبا الإدام و الإدام كل ما أُكل به الخبز- فقال عليه الصلاة و السلام لما ذهب الرجل و أخبره ذلك " قد ائتدما " - يعني افطرا أكلا الإدام - ففزعا
فجاءا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالا " يا رسول الله بعثنا إليك
نستئدمك فقلت قد ائتدما فبأي شيء ائتدمنا " فقال " بلحم أخيكما ، و الذي
نفسي بيده إني لأرى لحمه من أنيابكما" – و في رواية ثناياكما – قالا " فاستغفر لنا ، قال هو فليستغفر لكما "
صاحب الحق ..فالإنسان إذا أراد أن يعصي الله سبحانه و تعالى يختار معصية
سهل أن يتوب منها ، لكن يختار معصية تتعلق بحق الغير معنى ذلك أنك لن تبرأ
ذمتك إلا أن يسامحك هذا الشخص ، و إذا لم يسامحك .. يا ويلك فسترد
القيامة و في عنقك حق العباد .. المعصية إذا كانت بينك و بين الله .. فإذا
تبت إلى الله فالله يقبل التوبة من العباد ، أما إذا كانت المعصية فيها
حق من حقوق العباد فلا بد أن إما أن تستحله و إما أن يستوفي حقه منك .. و
طبعا العملة هناك في الآخرة ليست الدينار و لا الدرهم فهي الحسنات و
السيئات .. يأخذ من حسناتك حتى يقضي على حسناتك فإذا ما بقي عندك حسنات
يُؤخذ من سيئاته هو فتطرح عليك .. فلماذا التعب ؟!
الإنسان
يتعب في العبادة و يتعب في الحفظ و الصيام و الأعمال الصالحة ثم يجدها في
ميزان الآخرين و قد أفلس هو .. و لذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم
المفلس .
الشاهد أيضا من هذا الحديث قول النبي عليه الصلاة و السلام " قد ائتدما " و الخطاب كله موجه للاثنين مع أن واحد هو الذي تكلم فنسب الوزر إليهما جميعا .