السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عقيدة الولاء و البراء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي المؤمنين وناصر المستضعفين، والصلاة والسلام على المصطفى البشير النذير، وعلى آله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذا بحث حول عقيدة "الولاء البراء" في وقت أصبح المسلمون يشاركون الكفار في احتفالاتهم دون الانتباه الى هذه الطامة الكبرى و ما يترتب عنها من احتمال انتقاض الايمان ...، اعتمدت فيه على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم من السلف والخلف، فأرجو المولى عزوجل أن ينفع به.
*عقيدة الولاء والبراء
يقول العالم الرباني ابن القيم رحمة الله عليه عن كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله) :"لأجلها نصبت الموازين ، ووضعت الدواوين ، وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكافرين ، والأبرار والفجار ، وأسست الملة ، ولأجلها جردت السيوف للجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ".انتهى كلامه رحمه الله
إن من أسس كلمة التوحيد ("لا إله إلا الله محمد رسول الله") الحب في الله والبغض في الله..وهذا أوثق عرى الإيمان.
فالولاء والبراء ركن من أركان العقيدة، وأصل عظيم من أصول الدين، وشرط ضروري لازم من شروط الإيمان. فلا يجوز التغافل عن هذه العقيدة ولا إهمالها أو التفريط فيها كما فعل بعض المنتسبين إلى الدين، حيث ضعف هذا المفهوم العقدي لديهم، وغاب عن واقع حياتهم والله المستعان.
إن بعقيدة الولاء والبراء يتحقق الإيمان ويكمل، وبتضييعها ينقص الإيمان ويؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين))(المائدة:51).
ويقول أيضاً ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))(التوبة 71).
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعادة في الله، والحب في الله، والبغض في الله".
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ).
*تعريف الولاء والبراء
الولاء : هو أن تحب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين وتسعى إلى نصرتهم. ومن مظاهره محبة المؤمن وولاءه وتأييده ونصرته والنصح له والشفقة عليه...
البراء : هو أن تبغض من حاد الله ورسوله والصحابة والمؤمنين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق. فلا ولاء ولا ود ولا محبة للكافرين، ولا ننصرهم ونأيدهم بل نبغضهم لكفرهم.
قال تعالى :: ((لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ))(المجادلة الآية22).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية: "فهذا التأييد بروح منه لكل من لم يحب أعداء الرسل وإن كانوا أقاربه، بل يحب من يؤمن بالرسل وإن كانوا أجانب، ويبغض من لم يؤمن بالرسل وإن كانوا أقارب، وهذه ملة إبراهيم" (الجواب الصحيح 1/256).
فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله.. ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان : "فمن أصولِ العقيدةِ الإسلاميةِ أنَّه يَجبُ على كلِ مسلمٍ يَدينُ بهذه العقيدةِ أنْ يوالىَ أهلهَا ويعادىَ أعداءَها فيحبُ أهلَ التوحيدِ والإخلاصِ ويواليهِم، ويُبغِضُ أهلَ الإشراكِ ويعاديهِم، وذلك من ملةِ إبراهيمَ والذين معه،الذين أُمِرْنَا بالاقتداءِ بهم،حيث يقولُ سبحانه وتعالى( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ))(الممتحنة:4)."
وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فكان يقول لبعضهم : ( أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين )رواه النسائي وأحمد .
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : " قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا نصرانيا قال : مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول : { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ألا اتخذت حنيفا ؟ ( يعني مسلماً ) قال : قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال : لا أكرمهم إذا أهانهم الله ولا أعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم إذا أقصاهم الله " .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة، كما أن البغض والكراهة أصل كل ترك" (جامع الرسائل، قاعدة في المحبة 2/193).
ويقول في موضع آخر: "إذا كانت المحبة والإرادة أصل كل عمل وحركة.. عُلِم أنَّ المحبَّة والإرادة أصل كل دين، سواء كان ديناً صالحاً أو ديناً فاسداً". (المرجع السابق 2/217، 218).