الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتـُه
بسم الله، والحمدُ لله، والصلاةُ والسّلامُ علىٰ رسولِ الله الأمر بالمعروف والنهي المنكر
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا الأمر بالمعروف والنهي المنكر عبدُهُ ورسولُه
أمّا بعد،
حَيَّاكُمُ اللهُ جميعـًا وبوّأكُمُ الجنّة
فهذا بحث متواضع في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اختصرته ببعض التصرف -وأرجو أن لا يكون اختصارًا مُسِفًّا-، بحيث يستطيع القارئ الكريم أن يستقي منه لنفسه ولإخوانه مواضيع متعددة في جوانب متعددة، على رأسها جانب العقيدة، وسيتضح هذا بإذن الله تعالى في المواضيع القادمة، حيث سأجزؤه وأضع كل جزء كموضوع مستقل -بعد وضع الموضوع ككل في مكان واحد-، وليس ذلك بغرض إغراق المنتدى بمواضيعي، ولا بغرض "سد الخانة" .
راجيًا المولى عز وجل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم سبحانه، وأن لا يجعل لأحد معه فيه شيئا .. آمين
والله من وراء القصد، والله المستعان.
وجزاكم الله خيرا
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الدين، ولا شك أن صلاح العباد في معاشهم ومعادهم متوقف على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتمام الطاعة متوقف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس ، قال تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران-110]
وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية هذا الأمر أهمية بالغة ، ففيه تحقيق الولاية بين المؤمنين . قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة-71]
وهو من أسباب النصر على الأعداء ، والتمكين في الأرض . قال تعالى : {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41) } الحج
وفيه الأمن من الهلاك ، والمحافظة على صلاح المجتمعات ، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» صحيح البخاري
وفيه دفع العذاب عن العباد . قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79) } المائدة
وهو مطلب مهم لمن أراد النجاة لنفسه . قال تعالى : {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف-164]
وفيه التوفيق للدعاء والاستجابة . فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» . رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه -واللفظ لأحمد-، قال الأرنؤوط: حسن لغيره، وكذا قال الألباني.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "لتَأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنْهَوُنّ عن المنكر، أو ليُسَلِّطَنَّ اللهُ عليكم سلطانًا ظالمًا، لا يُجِلُّ كبيرَكُم ولا يَرحَمُ صغيرَكُم، يدعو عليه خِيارُكُم فلا يُستجابُ لهم، تستنصِرون فلا تُنصَرون،وتَستغفِرون فلا يُغفَرُ لكم".
والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مكفرات الذنوب والخطايا ، ففي الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَعْرُوفُ قَالَ سُلَيْمَانُ قَدْ كَانَ يَقُولُ الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» صحيح البخاري
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب الظفر بعظيم الأجور، وتكثير الحسنات، قال تعالى : {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء-114]
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحيا السنن وتموت البدع ، ويضعف أهل الباطل والأهواء ، وهو من أبرز صفات المؤمنين وسماتهم ، ومن أعظم الوسائل لقوتهم وتماسكهم، والغفلة عنه أو التهاون فيه، أو تركه ، يجر من المفاسد الكثيرة ، والأضرار الجسيمة . إلى غير ذلك من الفوائد والثمرات الكثيرة المترتبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .