موضوع: قصة درع علي بن أبي طالب مع الذمي الثلاثاء مارس 29, 2011 1:21 pm
قصة درع علي بن أبي طالب مع الذمي
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص.
أولا: متن القصة
رُوِي عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه، قال: وجد علي بن أبي طالب درعًا له عند يهودي التقطها فعرفها، فقال: درعي سقطت عن جمل لي أورق، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، ثم قال له اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحًا، فلما رأى عليّا قد أقبل تحرف عن موضعه وجلس عليَّ فيه ثم قال عليُّ: لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تساووهم في المجلس وألجئوهم إلى أضيق الطرق، فإن سبوكم فاضربوهم؛ وإن ضربوكم فاقتلوهم»، ثم قال شريح: ما تشاء يا أمير المؤمنين؟ قال: درعي سقطت عن جمل أورق، والتقطها هذا اليهودي. فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ قال: درعي وفي يدي. فقال شريح: صدقت والله يا أمير المؤمنين أنها لدرعك، ولكن لابد من شاهدين. فدعى قنبرا مولاه، والحسن بن علي وشهدا إنها لدرعه. فقال شريح: أما شهادة مولاك فقد أجزناها، وأما شهادة ابنك لك فلا نجيزها. فقال علي: ثكلتك أمك، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»؟. قال شريح: اللهم نعم. قال علي: أفلا تجيز شهادة سيد شباب أهل الجنة؟ والله لأوجهنك إلى «بانقيا» تقضي بين أهلها أربعين يومًا، ثم قال لليهودي خذ درعك. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين، فقضى عليه ورضي، صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك، التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فوهبها له علي، وأجازه بتسعمائة، وقتل معه يوم صِفِّين.
ثانيًا: التخريج
هذه القصة أخرجها أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني في «الحلية» (4/931-041) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، ح. وحدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن عون السيرافي المقري، قالا: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا حكيم بن خذام أبو سمير حدثنا الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال: فذكر القصة. وأخرجها أيضا الإمام ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/883) ح(0641) قال: حدثت عن الحسن بن محمد بن حمويه الصفار، قال أخبرني أحمد بن علي بن فنجويه الأصبهاني، قال حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ قال أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي قال حدثنا أبو الأشعث يعني: أحمد بن المقدام، قال حدثنا أبو سمير حكيم بن خِذام به.
ثالثا: التحقيق
هذه القصة واهية وسندها ضعيف جدا وغريب 1 ـ قال الحافظ أبو نعيم بعد أن روى هذه القصة في «الحلية» (4/041): «غريب من حديث الأعمش عن إبراهيم تفرد به حكيم». قلت: وحكيم بن خِذام أبو سمير البصري هو علة هذه القصة. 2 ـ قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (2/1/81) ترجمه (47): «حكيم بن خذام أبو سمير: منكر الحديث» أهـ. قلت: وهذا المصطلح عند الإمام البخاري له معناه حيث قال الحافظ السيوطي في «التدريب» (1/943): «البخاري يطلق: فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، ويطلق: (منكر الحديث): على من لا تحل الرواية عنه» اهـ. 3 ـ قال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة (821): «حكيم بن خذام، ضعيف». 4 ـ قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/1/202) ترجمة (288): «حكيم بن خذام أبو سمير سمعت أبي يقول: «هو متروك الحديث». 5 ـ قال ابن عدي في «الكامل» (2/022) (53/404): «حدثنا الجنيدي، حدثنا البخاري قال: حكيم بن خذام أبو سمير البصري منكر الحديث». 6 ـ قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» (1/742): «حكيم بن خذام من أهل البصرة كنيته أبو سُمَيْر: يروي عن عبد الملك بن عمير والأعمش... في أحاديثه مناكير كثيرة». 7 ـ قلت: لذلك أورد الإمام الذهبي هذه القصة في «الميزان» (1/585) ترجمة (8122) وجعلها من مناكير حكيم بن خذام. 8 ـ وأورد هذه القصة الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (2/714) (557/6192) ووافق الإمام الذهبي على جعل هذه القصة من مناكير حكيم بن خذام وهو منكر الحديث ثم نقل عن الساجي أنه قال: «حكيم بن خِذَام: يحدث بأحاديث بواطيل». «تصحيف»
ملاحظة هامة: وقع تصحيف في «لسان الميزان» طبعة دار الفكر الطبعة الأولى (8041هـ ـ 8891م) وقالوا عنها: إنها طبعة جديدة منقحة ومقارنة» كما هو مبين في صدر الصفحة الأولى من كل جزء من أجزاء اللسان والتصحيف في «لسان الميزان» (2/714) (557/6192) (حكيم بن حزام) هذا هو الإسم الموجود في اللسان فقد صحف (خِذام) بالخاء والذال إلى (حزام) بالحاء والزاي وهذا عند أهل الفن عظيم فسبحان ربي لا يضل ربي ولا ينسى [طه:25]. 9 ـ قال الإمام ابن الجوزي بعد أن روى هذه القصة في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (2/883) ح(0641): «هذا حديث لا يصح تفرد به أبو سمير قال البخاري وابن عدي: منكر الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث» اهـ.
رابعا: طرق أخرى للقصة
وحتى لا يقال أن هناك طرقا أخرى للقصة فهذان طريقان أوردهما الإمام البيهقي في «السنن» (01/631) قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد، حدثنا أحمد بن علي الخزاز ثنا أسيد بن زيد الجمال، حدثنا عمرو بن شمر. (ح أخبرنا) أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكى، أنبأنا أبو محمد بن الخرساني/ حدثنا محمد بن عبيد بن أبي هارون، حدثنا إبراهيم بن حبيب، حدثنا عمرو بن شمر. عن جابر، عن الشعبي قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا، فعرف علي رضي الله عنه الدرع فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين وكان قاضي المسلمين شريح... ثم ذكر القصة بطولها مع النصراني.
خامسا: التحقيق
مما سبق يتبين أن الطريقين اللذين أخرجهما الإمام البيهقي يلتقيان عند عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي. حيث روى عن عمر وبن شمر: (أسيد بن زيد الجمال وإبراهيم بن حبيب) والقصة من هذين الطريقين واهية وفيهما علتان: الأولى: عمرو بن شَمِر الجُعْفِي. أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/862/4836) وقال: 1 ـ «عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي أبو عبد الله عن جابر الجعفي... روى عباس عن يحيى: ليس بشيء. 2 ـ وقال الجوزجاني: زائغ كذاب. 3 ـ وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات. 4 ـ وقال البخاري: منكر الحديث. 5 ـ وقال النسائي والدارقطني وغيرهما متروك. العلة الأخرى: جابر بن يزيد الجعفي: 1 ـ قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» (1/802). جابر بن يزيد الجعفي من أهل الكوفة كنيته أبو زيد، وقد قيل: أبو محمد يروي عن الشعبي... كان سبئيًّا من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول، إن عليًا يرجع إلى الدنيا. 2 ـ قال الإمام النسائي في «المتروكين» ترجمة (89): «جابر بن يزيد الجعفي: متروك». قلت: وهذا المصطلح له معناه عند الإمام النسائي رحمه الله، قال الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» في بيان مراتب الجرح: «ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ. قلت: بهذا يتبين أن طرق القصة بين كذابين ومتروكين. وهذه الطرق لا تزيد القصة إلا وهنًا على وهن، حيث قال الإمام ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» ص(61): «قال الشيخ أبو عمرو: لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنًا لأن الضعف متفاوت فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني لا يؤثر كونه تابعًا أو متبوعًا كرواية الكذابين والمتروكين...» اهـ.
سادسا: الحافظ ابن حجر وتضعيف طرق القصة
أورد الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (4/391) ح(5012) طرق القصة وبين ضعفها حيث قال: «حديث علي: أنه جلس بجنب شريح في خصومة له مع يهودي، فقال: لو كان خصمي مسلما جلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تساووهم في المجالس، أبو أحمد والحاكم في الكني في ترجمة أبي سمير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال: عرف علي درعًا له مع يهودي، فقال: يا يهودي، درعي سقطت مني، فذكره مطولاً، وقال: «منكر»، وأورده ابن الجوزي في «العلل» من هذا الوجه وقال: «لا يصح؛ تفرد به أبو سمير». ورواه البيهقي من وجه آخر من طريق جابر عن الشعبي قال: خرج عليٌّ إلي السوق، فإذا هو بنصراني يبيع درعًا فعرف عليُّ الدرع، فذكر بغير سياقه وفي رواية له: لولا أن خصمي نصراني، لجثيت بين يديك، وفيه عمرو بن شمر عن جابر الجعفي وهما ضعيفان. وقال ابن الصلاح في الكلام على أحاديث الوسيط: «لم أجد له إسنادا يثبت». اهـ.
سابعًا: التناقض
لقد بيَّنا من طرق هذه القصة الواهية أن أسانيدها تدور على الكذابين والمتروكين والمتن متناقض في تحديد ديانة الذمي بين نصراني ويهودي والقصة لا تثبت وعدالة الإسلام معلومة من غير هذه القصة الواهية.
ثامنًا: بدائل صحيحة
هناك العديد من الأحاديث والقصص الصحيحة التي يستشهد بها على عدل الإسلام وعدم تفريقه بين الغني والفقير، والشريف والضعيف وعلى سبيل المثال: «قصة المرأة المخزومية» التي أخرجها الإمامان البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّ قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتشفع في حد من حدود الله؟» ثم قام فاختطب ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أنَّ فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها». والله من وراء القصد.