دليل هذه الصفة – ونكتفي بدليل واحد من الكتاب ودليل من السنَّة -
أ. قوله تعالى ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
(9) قال أبو الحسن الأشعري – رحمه الله -
وقال عز وجل
( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
فأخبر أنَّ له وجهاً لا يفنى ولا يلحقه هلاك
(10) وقال – أيضاً -
فمَن سَأَلَنا فقال : أتقولون إنَّ لله سبحانه وجهاً ؟
قيل : نقول ذلك ، خلافاً لما قاله المبتدعون
وقد دلَّ على ذلك قوله عز وجل
( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
(11) وقال ابن جرير الطبري - رحمه الله -
يقول تعالى ذِكره
" كل من على ظهر الأرض من جن إنس فإنه هالك
ويبقى وجه ربك يا محمد ( ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
و ( ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) من نعت الوجه ، فلذلك رفع ( ذو )
وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله بالياء
" ذي الجلال والإكرام " من نعتِ الربِّ وصفتِه
(12)
وما نسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه لا يصح عنه بل هي بالرفع إجماعاً
قال الشيخ عبد الفتاح القاضي
– رحمه الله -
قرأ ابن عامر : ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
آخر السورة بالواو
وقرأ غيره ( ذِي الْجَلَالِ ) بالياء وهو مرسوم بالواو في مصحف الشاميين
وبالياء في مصحف غيرهم
وأما قوله تعالى ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
فقد اتفقوا على قراءته بالواو
وقد رُسم بالواو في جميع المصاحف العثمانية
(13)
وقال ابن القيم - رحمه الله -
فتأمل رفعَ قولِه ( ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
عند ذكر " الوجه "
وجرَّه في قوله ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
(14) فـ ( ذو ) الوجه المضاف بالجلال والإكرام لما كان القصد
الإخبار عنه
و ( ذي ) المضاف إليه بالجلال والإكرام
في آخر السورة لما كان المقصود عين المسمى دون الاسم
فتأمله
(15)
ب. قال البخاري رحمه الله " باب قول الله عز وجل
( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )
(16) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال
لما نزلت هذه الآية ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ )
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( أَعُوذُ بِوَجْهِكِ )
فقال ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم
( أَعُوذُ بِوَجْهِكَ )
(18) قال ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا )
(18) فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( هذا أَيْسَرُ )
قال الإمام ابن خزيمة – رحمه الله -
فنحن وجميع علمائنا
من أهل الحجاز ، وتهامة ، واليمن ، والعراق
والشام ، ومصر
مذهبنا : أنَّا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه نقرُّ بذلك بألسنتنا ، ونصدِّق ذلك بقلوبنا
من غير أن نشبِّه وَجْه خالقنا بوَجْه أحدٍ من المخلوقين
عزَّ ربُّنا أن يشبه المخلوقين
وجلَّ ربُّنا عن مقالة المعطلين
(19) 3. أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه تعالى صفة
" الساق " فالقاعدة الشرعية هنا
أن نثبت هذه الصفة لله تعالى من غير تحريف لمعناها
أنها " الشدة "
ولا تمثيل لها فنجعلها كساق أحدٍ من خلقه
ولا تعطيل لهذه الصفة بالكلية
ومن أدلة هذه الصفة
حديث أبي سعيد الخدري
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( ... فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ )
(20) قال ابن القيم – رحمه الله - والذين أثبتوا ذلك صفةً كاليدين والإصبع
لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن
وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته
، وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه
( فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجَّدًا ) ومن حمل الآية على ذلك قال
قوله تعالى
( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود )
(21) مطابق لقوله ( فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدًا )
وتنكيره للتعظيم والتفخيم
كأنه قال : يكشف عن ساق عظيمة جلَّت عظمتها وتعالى
شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه
قالوا : وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه ؛ فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال
كشفت الشدة عن القوم
لا : كُشِف ، عنها
كما قال الله تعالى
( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )
(22) وقال : ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر )
(23)فالعذاب والشدة هو المكشوف ، لا المكشوف عنه
وأيضاً : فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا تُزال إلا بدخول الجنة
وهناك لا يدعون إلى السجود
وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة
(24) 4. لفظ " الجسد " لم يرِد في حق الله تعالى لا إثباتا ولا نفيا وقاعدة أهل السنة فيما كان كذلك
أنه لا يجوز نسبته إلى الله تعالى وإضافته إليه
لأن وصف الله تعالى بشيء ونسبته إليه لا يجوز إلا بدليل صحيح
من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وكذلك لا يجوز نفيه عنه لمجرد عدم ثبوته ؛ بل يستفصل عنه : فإن كان معناه باطلا في الشرع
جزمنا بنفي المعنى الباطل ، واللفظ المبتدع
وإن كان معناه صحيحا ، أثبتنا له المعنى الصحيح
واستعملنا له اللفظ الشرعي الدال عليه
إلا عند الحاجة إلى استعمال لفظ محدث
مع بيان معناه الصحيح
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
" الواجب أن ينظر في هذا الباب ؛
فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ، وما نفاه الله ورسوله نفيناه
والألفاظ التي ورد بها النص يُعتصم بها في الإثبات والنفي ؛
فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني وننفى ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني
وأما الألفاظ التي تنازع فيها من ابتدعها من المتأخرين
مثل لفظ الجسم والجوهر والمتحيز والجهة ونحو ذلك
فلا تطلق نفيا ولا إثباتا حتى ينظر في مقصود قائلها ؛
فإن كان قد أراد بالنفي والإثبات معنى صحيحا موافقا لما أخبر به الرسول صُوِّب المعنى الذي قصده بلفظه
ولكن ينبغي أن يعبر عنه بألفاظ النصوص
لا يعدل إلى هذه الألفاظ المبتدعة المجملة إلا عند الحاجة
مع قرائن تبين المراد بها
والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه
إن لم يخاطب بها
وأما إن أريد بها معنى باطل نُفي ذلك المعنى
وإن جمع بين حق وباطل
أثبت الحق ، وأبطل الباطل " انتهى
(25) وقد طول في هذا الموضع في الكلام على لفظ الجسم
فليراجع فإنه مهم
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
مسألة الجسمية لم ترد لا في القرآن ولا في السنَّة إثباتاً ولا نفياً
ولكن نقول بالنسبة للفظ لا ننفي ولا نثبت
لا نقول : جسم وغير جسم
لكن بالنسبة للمعنى نفصِّل ونستفصل
ونقول للقائل : ماذا تعني بالجسم ؟
هل تعني أنه الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به
الفاعل بالاختيار ، القابض الباسط ؟
إن أردت هذا : فهو حق ومعنى صحيح
فالله تعالى قائم بنفسه فعَّال لما يريد
متصف بالصفات اللائقة به
يأخذ ويقبض ويبسط ، يقبض السماوات بيمينه ويهزها
وإن أردت بالجسم الشيء الذي يفتقر بعضه إلى بعض
ولا يتم إلا بتمام أجزائه فهذا ممتنع على الله ؛
لأن هذا المعنى يستلزم الحدوث والتركيب
وهذا شيء ممتنع على الله عز وجل
(26)