أميرة الورد Admin
عدد المساهمات : 1191 تاريخ التسجيل : 11/03/2011
| موضوع: التعامل بالربا إيذان بحرب من الله الخميس مارس 17, 2011 4:56 am | |
| التعامل بالربا إيذان بحرب من الله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: نقف سوياً وقفة تفسير وتأمل لكلام الله تعالى مع آيات لم يعلن الله الحرب على العصاة في آيات غيرها، مما يدل على أهمية التنبه لهذا الأمر الخطير الذي بسببه أعلن الحرب. تلكم الحرب أعلنها الله على الذين يتعاملون بالربا، بعد أن ذم الذي يأكلونه بأنهم لا يقومون يوم القيامة إلا كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فلنتأمل كلام الله ولنتدبر قوله ونلتزم أمره ونجتنب نهيه. يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(278-281) سورة البقرة. يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، ناهيًا لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون، {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} أي: اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال، بعد هذا الإنذار، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي: بما شرع الله لكم من تحليل البيع، وتحريم الربا وغير ذلك. ذكر زيد بن أسلم، وابن جُرَيج، ومقاتل بن حيان، والسدي: أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بينهم ربا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم، فتشاوروا، وقالت بنو المغيرة: لا نؤدي الربا في الإسلام فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه الآية فكتب بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فقالوا: نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الربا، فتركوه كلهم. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج: قال ابن عباس: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ} أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله. وعن ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فمن كان مقيمًا على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه. وقال ابن أبي حاتم: عن الحسن وابن سيرين، أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا، وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم، فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح. وقال قتادة -كما روى ابن أبي حاتم-: أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون، وجعلهم بهرجاً أينما أتوا، فإياكم وما خالط هذه البيوع من الربا؛ فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه، فلا تلجئنكم إلى معصيته فاقة، وقال الربيع بن أنس: أوعد الله آكل الربا بالقتل. ثم قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ} أي: بأخذ الزيادة،{وَلا تُظْلَمُونَ} أي: بوضع رؤوس الأموال أيضا، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه. وقد خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع فقال: (ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)1.2 إنه في ظل هذا الرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة، التي تنبذ الربا من حياتها، فتنبذ الكفر والإثم، وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والعبادة والزكاة، وفي ظل هذا الرخاء الآمن يهتف بالذين آمنوا الهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت؛ وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله، بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}. إن النص يعلق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا، فهم ليسوا بمؤمنين إلا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا، ليسوا بمؤمنين ولو أعلنوا أنهم مؤمنون، فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد واتباع لما أمر الله به. والنص القرآني لا يدعهم في شبهة من الأمر، ولا يدع إنساناً يتستر وراء كلمة الإيمان، بينما هو لا يطيع ولا يرتضي ما شرع الله، ولا ينفذه في حياته، ولا يحكمه في معاملاته. فالذين يفرقون في الدين بين الاعتقاد والمعاملات ليسوا بمؤمنين مهما ادعوا الإيمان وأعلنوا بلسانهم أو حتى بشعائر العبادة الأخرى أنهم مؤمنون! ولقد ترك لهم ما سلف من الربا فلم يقرر استرداده منهم، ولا مصادرة أموالهم كلها أو جزء منها بسبب أن الربا كان داخلاً فيها، إذ لا تحريم بغير نص، ولا حكم بغير تشريع، والتشريع ينفذ وينشئ آثاره بعد صدوره، فأما الذي سلف فأمره إلى الله لا إلى أحكام القانون، وبذلك تجنب الإسلام إحداث هزة اقتصادية واجتماعية ضخمة لو جعل لتشريعه أثراً رجعياً، وهو المبدأ الذي أخذ به التشريع الحديث حديثاً! ذلك أن التشريع الإسلامي موضوع ليواجه حياة البشر الواقعية ويسيرها، ويطهرها ويطلقها تنمو وترتفع معاً. وفي الوقت ذاته علق اعتبارهم مؤمنين على قبولهم لهذا التشريع وإنفاذه في حياتهم منذ نزوله وعلمهم به، واستجاش في قلوبهم -مع هذا- شعور التقوى لله، وهو الشعور الذي ينوط به الإسلام تنفيذ شرائعه، ويجعله الضمان الكامن في ذات الأنفس، فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته. فيكون له من ضمانات التنفيذ ما ليس للشرائع الوضعية التي لا تستند إلا للرقابة الخارجية! وما أيسر الاحتيال على الرقابة الخارجية، حين لا يقوم من الضمير حارس له من تقوى الله سلطان، فهذه صفحة الترغيب.. وإلى جوارها صفحة الترهيب! الترهيب الذي يزلزل القلوب: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: يا للهول! حرب من الله ورسوله، حرب تواجهها النفس البشرية، حرب رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة، فأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القوة الجبارة الساحقة الماحقة؟! ولقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامله على مكة بعد نزول هذه الآيات التي نزلت متأخرة أن يحارب آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي، وقد أمر -صلى الله عليه وسلم- في خطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية -وأوله ربا عمه العباس- عن كاهل المدينين الذي ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة، حتى نضج المجتمع المسلم، واستقرت قواعده، وحان أن ينتقل نظامه الاقتصادي كله من قاعدة الربا الوبيئة. وقال -صلى الله عليه وسلم- في هذه الخطبة: (وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأول ربا أضع ربا العباس) ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حالة الجاهلية. فالإمام مكلف -حين يقوم المجتمع الإسلامي- أن يحارب الذين يصرون على قاعدة النظام الربوي، ويعتون عن أمر الله، ولو أعلنوا أنهم مسلمون، كما حارب أبو بكر -رضي الله عنه- مانعي الزكاة، مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامتهم للصلاة؛ فليس مسلماً من يأبى طاعة شريعة الله، ولا ينفذها في واقع الحياة! على أن الإيذان بالحرب من الله ورسوله أعم من القتال بالسيف والمدفع من الإمام . فهذه الحرب معلنة -كما قال أصدق القائلين- على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامه الاقتصادي والاجتماعي، هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة الداهمة الغامرة، وهي حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على البركة والرخاء، وحرب على السعادة والطمأنينة، إنها حرب يسلط الله فيها بعض العصاة لنظامه ومنهجه على بعض، حرب المطاردة والمشاكسة، حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيراً حرب السلاح بين الأمم والجيوش والدول، الحرب الساحقة الماحقة التي تقوم وتنشأ من جراء النظام الربوي المقيت؛ فالمرابون أصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحروب مباشرة أو عن طريق غير مباشر، وهم يلقون شباكهم فتقع فيها الشركات والصناعات، ثم تقع فيها الشعوب والحكومات، ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب! أو يزحفون وراء أموالهم بقوة حكوماتهم وجيوشها فتقوم الحرب! أو يثقل عبء الضرائب والتكاليف لسداد فوائد ديونهم، فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين، فيفتحون قلوبهم للدعوات الهدامة فتقوم الحرب! وأيسر ما يقع -إن لم يقع هذا كله- هو خراب النفوس، وانهيار الأخلاق، وانطلاق سعار الشهوات، وتحطم الكيان البشري من أساسه، وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب الذرية الرهيبة! إنها الحرب المشبوبة دائماً. وقد أعلنها الله على المتعاملين بالربا، وهي مسعرة الآن؛ تأكل الأخضر واليابس في حياة البشرية الضالة؛ وهي غافلة تحسب أنها تكسب وتتقدم كلما رأت تلال الإنتاج المادي الذي تخرجه المصانع. وكانت هذه التلال حرية بأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبت زكي طاهر؛ ولكنها -وهي تخرج من منبع الربا الملوث- لا تمثل سوى ركام يخنق أنفاس البشرية ويسحقها سحقاً؛ في حين تجلس فوقه شرذمة المرابين العالميين، لا تحس آلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركام الملعون! لقد دعا الإسلام الجماعة المسلمة الأولى، ولا يزال يدعو البشرية كلها إلى الشرع الطاهر النظيف، وإلى التوبة من الإثم والخطيئة والمنهج الوبيء: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}. هي التوبة عن خطيئة، إنها خطيئة الجاهلية، الجاهلية التي لا تتعلق بزمان دون زمان، ولا نظام دون نظام، وإنما هي الانحراف عن شريعة الله ومنهجه متى كان وحيث كان، خطيئة تنشئ آثارها في مشاعر الأفراد وفي أخلاقهم وفي تصورهم للحياة، وتنشئ آثارها في حياة الجماعة وارتباطاتها العامة، وتنشئ آثارها في الحياة البشرية كلها، وفي نموها الاقتصادي ذاته، ولو حسب المخدوعون بدعاية المرابين، إنها وحدها الأساس الصالح للنمو الاقتصادي! فاسترداد رأس المال مجرداً عدالة لا يظلم فيها دائن ولا مدين، فأما تنمية المال فلها وسائلها الأخرى البريئة النظيفة، لها وسيلة الجهد الفردي، ووسيلة المشاركة على طريقة المضاربة، وهي إعطاء المال لمن يعمل فيه، ومقاسمته الربح والخسارة، ووسيلة الشركات التي تطرح أسهمها مباشرة في السوق -بدون سندات تأسيس تستأثر بمعظم الربح- وتناول الأرباح الحلال من هذا الوجه. ووسيلة إيداعها في المصارف بدون فائدة -على أن تساهم بها المصارف في الشركات والصناعات والأعمال التجارية مباشرة أو غير مباشرة- ولا تعطيها بالفائدة الثابتة- ثم مقاسمة المودعين الربح على نظام معين أو الخسارة إذا فرض ووقعت. وللمصارف أن تتناول قدراً معيناً من الأجر في نظير إدارتها لهذه الأموال، ووسائل أخرى كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها، وهي ممكنة وميسرة حين تؤمن القلوب، وتصح النيات على ورود المورد النظيف الطاهر، وتجنب المورد العفن النتن الآسن!3. نسألك اللهم أن تجتنبنا الزلل في القول والعمل، اللهم ارفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.. آمين اللهم آمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. 1 رواه مسلم. 2 تفسير ابن كثير. 3 في ظلال القرآن (ج 1 / ص 312). إمام المسجد | |
|