اللؤلؤ والمرجان
عدد المساهمات : 697 تاريخ التسجيل : 10/05/2011
| موضوع: اعجاز الرضاعة الأحد مايو 29, 2011 8:23 pm | |
|
إعجاز الرضاعة
أخرج الإمامان البخاري وأحمد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن ليلة الإسراء : ((ثمّ أوتيت بإناءين في إحداهما لبن وفي الآخر خمر .. فقال : اشرب أيهما شئت ؛ فأخذت اللبن فشربت ، فقيل : أخذت الفطرة ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك)) . أخرج الإمام أحمد والإمام البخاري عن البراء بن عازب قال : لمّا مات إبراهيم ؛ ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إنّ ابني مات في الثدي ، وإن له مرضعاً في الجنة)) . أخرج الإمام مسلم والإمام مالك عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إنّ الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة)) . وفي رواية : ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) . أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنّ عمّها من الرضاعة يسمى ((أفلح)) استأذن عليها فحجبته ، فأخبرت رسول الله فقال لها : ((لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)) . أخرج الأئمة أحمد ومسلم وابن ماجه عن عبد الله بن الحارث أنّ أمّ الفضل قالت إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو المصّة أو المصّتان)) . وعن السيدة عائشة : نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضاً خمس معلومات . أخرج الإمامان البخاري وأحمد عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إنّ الله عزّ وجلّ وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم)) . روى الإمام مالك عن ابن مسعود قال : ((لا رضاعة إلا ما كان في الحولين)) . وسئل سعيد بن المسيب عن الرضاعة فقال : ((ما كان بين الحولين فهو يحرم ، وما كان بعد الحولين فإنما هو طعام يأكله)) . وقال أيضاً : ((لا رضاعة إلا ما كان في المهد وإلا ما أنبت اللحم والدم)) . أخرج الإمام أبو داود في سننه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال : ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) . ـ أنشز العظم: أي قوّاه ـ .
نبذة عن تاريخ الرضاعة لرضاعة الأمهات تاريخ قديم .. ونجد في تاريخ الشعوب اهتماماً برضعة الأطفال . وهذا من فطرة الخلق التي فطر الله خلقه عليها ، ونجد منذ العصور الأولى كيف كان المشتغلون بالطب يبحثون ويجرّبون أنواعاً من النباتات الطبية لزيادة إدرار اللبن من الثدي . وعثر علماء الآثار على بعض أوراق البردي يرجع تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف من السنين تدل على أنّ المصريين القدماء كانوا يستعملون أعشاباً طبية تزيد من إدرار اللبن من ثدي السيدة المرضع ، ومع ذلك كان من الأمهات من يجف ثديها ويتوقف عن إدرار اللبن لسبب أو لآخر فكان الناس منذ العصور القديمة يحضرون سيدة مرضعاً غير الأم ترضع الطفل ؛ وكان نظام المراضع معروفاً منذ العصور القديمة ؛ وخاصة في قصور الأغنياء بسبب امتناع بعض الأمهات عن إرضاع أولادهن على اعتقاد منهن إنّ في ذلك ضرراً على صحتهن . ونقرأ في القرآن الكريم عن قصة النبي موسى عندما كان طفلاً رضيعاً وألقته أمّه في قارب في النيل فحمله التيار إلى قصر فرعون مصر المطل على النيل . فالتقطه آل فرعون وطلبوا له المراضع لإرضاعه فرفض المراضع جميعاً حتى إذا ما أقبلت أمّه تعرض نفسها لإرضاعه أقبل على ثدي أمّه ؛ يقول عزّ وجلّ : ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ{7} فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ{8} وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{9} وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{10} وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{11} وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ)) :القصص: 7 ـ 12 وفي عصر الإغريق كثر الطلب على المرضعات من جانب نساء النبلاء والأمراء لإرضاع أطفالهن . وفي العصر الروماني كان للمرضعة مكانة رسمية في القصور . وابتداء من القرن الثاني عشر الميلادي أنشئت في فرنسا مكاتب خاصة لجلب المرضعات وتأجيرهن لإرضاع الأطفال . وفي إنكلترا عام 1762م صدر قانون يمنع أي امرأة مرضع من أن ترضع أي طفل غير طفلها إلا بعد أن يبلغ طفلها تسعة أشهر من عمره . ونص القانون على الكشف الطبي الدوري على المراضع للتأكد من تنفيذ القانون ؛ وللتثبيت من خلوهن من الأمراض المُعدية . وكان نظام المرضعات أكثر انتشاراً في القرن الثامن عشر في أوروبا وذلك لأن نساء الطبقة الغنية كنّ يعتقدن اعتقاداً مخطئاً أنّ الرضاعة تؤثر تأثيراً سيئاً على صحة الأم وعلى قوام جسمها . وما أن بدأت الثورة الصناعية في أوروبا حتى توجهت نساء الطبقة الفقيرة إلى العمل بالمصانع فقلّ توفر المرضعات وابتدأ التفكير في إرضاع الأطفال بلبن البقر وعرف ذلك بالرضاعة الصناعية . وشيئاً فشيئاً بدأ نظام المرضعات في الاختفاء حتى اندثر تماماً في بداية القرن العشرين . وبالتالي ازدهرت صناعة الأغذية من ألبان الحيوانات للأطفال بدلاً من لبن الأم . وكان ذلك الأمر شائعاً في العالم الغربي . أما في العالم الإسلامي فقد ظلت الأمهات ترضعن أولادهن ؛ وهذا هو الغذاء الأمثل للأطفال الذي توصل له العلم الحديث . بل إن هذه فطرة الخلق السليمة وتطبيقاً لقول الله عزّ وجلّ : ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) :البقرة: 233 الآية قد صيغت في أسلوب بلاغي تقريري تقرر حقيقة لاشكّ فيها .. تقرر أيضاً أنّ أي غذاء للأطفال من غير الرضاع من الأم خروج عن الفطرة السليمة . وفي مطلع القرن العشرين ابتداء في السويد ؛ استخدم لبن الأبقار المجفف في تغذية الأطفال . ومن السويد انتشرت هذه الطريقة إلى بلدان أوروبا ثم أمريكا بعد ذلك ، وفي عام 1902 أدخلت أول آلة لتجفيف الألبان في إنكلترا . وفي عام 1904 أصدرت الهيئات الصحية الأمريكية بنيويورك تقريراً يؤكد سلامة لبن البقر المجفف في تغذية الأطفال ؛ إلا أنه بعد ذلك بسنوات قلائل تبين للعلماء الآثار السيئة في تغذية الأطفال بلبن الأبقار المجفف ؛ وذلك بسبب اختلاف التركيب الكيميائي في لبن البقر عنه في لبن الأم . فابتدأت مصانع تجفيف لبن البقر لتغذية الأطفال بمحاولات عديدة لتعديل مكونات لبن البقر وذلك بتقليل نسبة البروتين والدهون وأملاح الصوديوم والبوتاسيوم منه حتى تقترب من نسبها في لبن الأم وإضافة فيتامينات (( أ ـ د )) وسكر اللاكتوز حتى يقارب تكوين لبن الأم وتركيبه الكيميائي العضوي .
اختلاف ألبان الثدييات في التركيب تختلف الثدييات في صفاتها الوراثية وبالتالي تختلف الصفات الوراثية في صغارها ، وبالتالي أيضاً تختلف الخصائص والصفات في كل حيوان ثديّ عن الحيوان الآخر وبين كل إنسان وإنسان آخر لأن تكوين اللبن في الثدي أو الضرع إنما هو على أساس النظام الوراثي الموجود في الخلايا وعلى أساس العوامل الوراثية المميزة لكل نوع من الثدييات ؛ فلبن المرأة مثلاً يختلف عن ألبان الثدييات الأخرى فهو أقل ألبان الثدييات نسبة في الدهون والبروتين وأكثرها في كمية السكريات ؛ وذلك يناسب الطفل الذي يحتاج لكثير من السكريات ولقليل من الدهون والبروتينات . كما تختلف ألبان الثدييات عن بعضها البعض في مكوناتها من البروتينات والدهنيات والسكريات ؛ فهي تختلف أيضاً في مكوناتها من الأملاح المعدنية والفيتامينات . فمثلاً نجد أن لبن الأم هو الأنسب لتغذية جسم الطفل ونمو أعضائه المختلفة نمواً سليماً . أمّا الأطفال الذين يتغذون على ألبان البقر فإن أجسامهم تتعرض لمرض الكساح وتسوس الأسنان نظراً لقلة الأملاح المعدنية في لبن الأبقار ، ولذلك فإن مصانع تجفيف ألبان البقر تضيف الكالسيوم وفيتامين ((د)) لمعالجة ذلك النقص . وبسبب زيادة مستوى أملاح الصوديوم في لبن البقر فإن الأطفال الذين يتغذون على ألبان الأبقار يتعرضون لاضطرابات في وظائف الكلى كما أن زيادة الدهون في لبن البقر يعرض الأطفال الذين يتغذون عليه لأضرار صحية كثيرة في طور الطفولة وفي مستقبل أيامهم أيضاً لذلك ولأسباب أخرى نجد أن أنسب غذاء للطفل هو لبن أمّه . ومن هذا نفهم المغزى العلمي لقول الله عزّ وجلّ : ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ)) ولقد جعل الله لبن الأم غذاءً كاملا ً للطفل الرضيع كما جعل لبن الثدييات الأخرى من لبن البقر كاملاً للإنسان البالغ في طعامه اليومي .
المصدر كتاب الإعجاز العلمي في أسرار القرآن الكريم والسنة النبوية ـ ((الجزء الأول ص 142 ـ 147)) للمؤلف محمد حسني يوسف
| |
|