موضوع: بيان الإيمان والإسلام والإحسان الإثنين مايو 30, 2011 9:48 am
عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما بارزا للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر. قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رءوس الناس فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رُدُّوا عليَّ الرجل. فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم .
-------------------------------------------------------------------------------- هذا حديث جبريل المشهور الذي رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه، ورواه مسلم والبخاري عن أبي هريرة ورُوي أيضا عن غيرهما من الصحابة، وجمع طُرُقه الشيخ حافظ الحكمي في المجلد الثاني من معارج القبول، وهو حديث مشهور اشتمل على أحكام كثيرة. فيه بعض الروايات أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يهابون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض الأشياء المهمة من أمور الدين؛ مخافة أن يشقوا عليه ولأن الله تعالى نهاهم عن كثرة السؤال في قوله تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْل وفي قوله تعالى: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ فلما كانوا بحاجة إلى معرفة بعض الأحكام وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد يبدأهم ببعضها وقد يجهلها بعضهم فيحتاجون إلى من ينبههم- أرسل الله هذا المَلَك الذي هو جبريل عليه السلام، جاء بصفة غريبة لم يعرفه أحد، لو كان من أهل المدينة لعرفه بعضهم، ولم يروا عليه أثر السفر لو كان جاء من بعيد لرأوا عليه آثار السفر، في بعض الروايات أنه شديد بياض الثياب، في ثياب بيضاء، شديد سواد الشعر. ثم في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بارزا للناس كأنه ليس في بيته وليس في المسجد، بل إما في البقيع وإما في طرف من أطراف المدينة بارزا للناس حتى يروه وحتى يأتوا إليه، فجاءه هذا الملك في صورة رجل ،ولما جاءه جلس عنده كمتعلم، في بعض الروايات أنه ألصق ركبتيه بركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس جِلسة المتعلم مفترشا كالجلوس بين السجدتين ليعلم الصحابة هيئة التعلم. بعد ذلك ابتدأ يسأل عن أمور الدين، ففي هذا الحديث أنه سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإسلام، ثم عن الإحسان، فَسَّر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بأركانه الستة المعروفة، تعرفون أن أركان الإسلام خمسة، وأركان الإيمان ستة، وأن أركان الإسلام عملية وقولية، وأركان الإيمان اعتقادية غيبية، فأركان الإيمان قد أُخذت من القرآن، مثل قول الله تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ففي هذه الآية خمسة أركان من أركان الإيمان، وكذلك في قوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ في سورة النساء يعني: ذَكر كفرهم بهذه الأركان، وكذلك في مثل قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فهذا بيان أركان الإيمان. والصحيح أن الإيمان إذا أُفرد دخلت فيه أركان الإسلام، ففي الحديث الذي قبله حديث وفد عبد القيس أنه فسر الإيمان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم وأداء الخمس، فدلَّ على أن أعمال الإسلام تدخل في مسمى الإيمان، وأما في هذا الحديث فاقتصر في أركان الإيمان على الأمور الغيبية؛ وما ذاك إلا أن الإسلام ذُكر بعده؛ فلذلك يقول العلماء: إذا ذُكر الإيمان دخلت فيه أركان الإسلام، وإذا ذُكر الإسلام وحده دخلت فيه أركان الإيمان، وإذا ذُكر الإيمان والإسلام جميعا فُسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفُسر الإيمان بالأعمال الباطنة التي هي الإيمان بالغيب؛ بالمغيبات، الإيمان بالأمور الغيبية أعمال القلوب، فإنه هاهنا ذكر أن الإيمان هو الأعمال الخفية. الإيمان بالله تعالى يعني: بأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته يدخل فيه الإيمان بأنهم مثل ما وصفهم الله مخلوقون يعبدون الله تعالى ويوحدونه ويطيعونه كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ وفي قوله: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ إلى آخر الآيات في صفتهم، والإيمان بالكتب، الإيمان بأن الله أنزل كتبا على أنبيائه ومنها التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الذي أُنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم وهو آخرها وخاتمها، كما قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فهذا الإيمان بالكتب. والإيمان بالرسل: التصديق بأن الله أرسل رسلا مبشرين ومنذرين، ومنهم من سمَّاهم الله تعالى في القرآن، سمَّى كثيرا منهم في سورة الأنعام مِن قوله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ثمانية عشر، وسمى كثيرا منهم نحو ثمانية عشر في سورة الأنبياء، نؤمن بمن سمى الله تعالى، ونؤمن بأن هناك رسلا ما قصهم الله علينا، قال تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ نصدق بأنهم مرسلون، وأنهم بَلَّغُوا ما أُنزل إليهم. الإيمان باليوم الآخر: التصديق بالبعث بعد الموت، وبما أخبر الله تعالى به من الحشر والنشر وما يكون في ذلك إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، الإيمان بالقدر: هو الإيمان بقدرة الله تعالى، وأنه على كل شيء قدير، وأنه قدر مقادير الخلائق، وأنه لا يكون في الوجود إلا ما يريد، التصديق بذلك كله من الإيمان. فسر الإسلام بالأركان الخمسة: الشهادتان: وهما شرط لغيرهما من الأعمال؛ فإن من صلى وهو لم يأت بالشهادتين لم تقبل صلاته، أو أتى بهما ولم يعمل بهما لأن الشهادتين لا بد من القول بهما والعمل، لا بد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن يعبد الله ويتخذه إلها حقا، وأن يُخلص له العبادة، وأن يشهد أن محمدا رسول الله وأن يتبعه ويطيعه في كل ما جاء عنه. والعمل بالصلاة: أداؤها على ما وردت فيه من الصفة في القرآن والسنة، وبالزكاة: العمل بها، يعني: أداؤها لمستحقها، والصيام: أداؤه كما فرضه الله تعالى، والحج: أداؤه على ما فرضه الله، ومن شرطه الاستطاعة. فسر بعد ذلك الإحسان، وهو أعلى المراتب، وفسره بأن: تعبد الله كأنك تراه، فإنك إلا تراه فإنه يراك، المرتبة الأولى: تسمى عين المشاهدة، والثانية: عين المراقبة، عين المشاهدة: هي أن تعبد الله كأنك تراه، كأنك تشاهد ربك، معلوم أن من عبد الله تعالى بهذه الحالة خضع وخشع وتواضع وأحضر قلبه ولُبه في جميع العبادات، ولم يُخل بشيء منها، أخلص لله تعالى عبادته وطاعته، فإذا لم يصل إلى هذه الرتبة فإنه يعبد الله على استحضار أن الله يراه، قال تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ولا شك أن من استحضر أن الله ينظر إليه، وأن الله لا يخفى عليه منه خافية فإنه بلا شك سيحضر قلبه في عبادته، وسيحرص على كمالها: صلاة وقراءة ودعاء وذكرا وصدقة ودعوة وجهادا، وأية عمل إذا استحضر أنه بمرأى ومسمع من ربه فإن ربه سبحانه يثيبه ويقبل منه هذه العبادة. وأما سؤاله عن الساعة فلأن الناس يكثر سؤالهم عنها، كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا فكثر سؤالهم: متى الساعة؟ متى تأتي؟ وكذلك أيضا يسألونه عن أماراتها ومقدماتها، ففي هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام توقف عن الجواب وقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل أي: كما أنك تسأل وأنت لا تعرفها فكذلك أنا لا أعرفها، كأنه يقول: لست أعلم منك بها، إذا كنت لا تعلم فأنا لا أعلم؛ حتى يتوقفوا ويقولوا: علمها عند الله، كما قال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ما يدريك. أخبره بأماراتها وببعض علاماتها: إذا ولدت الأَمَة رَبَّها، الأمة مملوكة إذا وَطِئها سيدها، ثم ولدت منه ولدا فذلك الولد يتصرف فيها كأبيه، ما دام أبوه حيا فإنه يأمرها ويستخدمها كأنها مملوكته، ربها: يعني سيدها، يعني أن يكثر استخدام أمهات الأولاد لأولادهن، وكذلك يقول: من أماراتها إذا رأيت العالة الفقراء رؤوس الناس ورأيتهم يتطاولون في البنيان، بدل ما كانوا فقراء عالة يكونون أغنياء، يستقرون في البلاد، ويبنون البنيان، ويتفاخرون في رفعه وتشييده، فذلك من علاماتها. في خمس لا يعلمهن إلا الله وهي مفاتيح الغيب، ذُكرت في قول الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وفُصلت في آخر سورة لقمان: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي: لا يعلمها غيره، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ أي: لا يعلم متى ينزل المطر إلا الله، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ أي: لا يعلم ما في أرحام الدواب وأرحام النساء ذكرا أو أنثى إلا الله، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا لا يعلم ذلك إلا الله، لا يدري الإنسان أين يذهب غدا، وماذا يكتسب هل يخسر أو يربح، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لا يدري أين يأتيه أجله، فأشار بذلك إلى أن من جملتها عدم العلم بوقت الساعة.