موضوع: الإعجاز العلمي هو الجسر بين الشريعة وعلوم الطبيعة الإثنين يونيو 06, 2011 9:03 pm
د. عبد الله المصلح يروي رحلته مع الإعجاز :الإعجاز العلمي هو الجسر بين الشريعة وعلوم الطبيعة
فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المصلح
حوار أشرف سالم الدكتور عبدالله المصلح، عالم جليل وداعية كبير جابت شهرته الآفاق، فكم تحلقت الأسر حول الشاشة الصغيرة للاستمتاع بحديثه العذب والاستفادة من فتاواه الشرعية والاستزادة من نصائحه الاجتماعية من خلال برنامجه (مشكلات من الحياة) الذي قارب عمره العقدين من الزمان، كما يعرفه الكثير من أبناءه وتلاميذه أكاديميًا وإداريًا أنيطت به مهمة عمادة كلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم مديرًا لهذا الفرع لسنوات طوال، وهو إلى جوار ذلك العضو النشط الفعال في العديد من مؤسسات العمل الخيري والاجتماعي على شتى المستويات. إلا أننا نلتقيه اليوم لإلقاء الضوء على جانب هام من حياته ونشاطه وهو علاقته بقضايا الإعجاز العلمي، حيث تولى فضيلته منصب الأمين العام لـ (الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة) على فترتين، الأولى من عام 1413 حتى عام 1418هـ، والثانية منذ عام 1423هـ وحتى الآن، لذا سألناه في البداية عن سر هذه العلاقة الوثيقة بينه كعالم شرعي وبين قضايا الإعجاز العلمي. يجيبنا المصلح مبتسمًا كعادته: مشاعر جياشة تجول بخاطري كلما خلوت بنفسي مستعرضًا مسيرة (الإعجاز العلمي)، ومتأملاً مسيرتي مع الإعجاز، هذه الفكرة التي طرقت مخيلتي مبكراً، وأنا الذي أكرمني ربي فنشأت في طلب العلم منذ نعومة أظفاري، متنقلاً بين حلقات القرآن ومجالس العلماء وفصول الدراسة وكتب المتون، أتعلم وأعلم كتاب الله وسنة رسوله المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقوال العلماء، في فترة شهدت بفضل الله صحوة إسلامية مباركة وإقبال من أجيال الشباب على طلب العلم الشرعي، مما أعاد لتلك العلوم اعتبارها ومكانتها التي غيبت في غمرة تعلق الشباب المسلم للبريق الزائف الذي حملته المناهج المستوردة، وبالمواكبة مع كل هذا كانت وسائل الإعلام تضخ علينا كل يوم من أخبار التقدم العلمي والتفوق التقني الذي برع فيه أقوام غيرنا صرنا عالة فيه عليهم.
ـ وما هو الرابط بين ما تفضلتم بذكره وبين قضية الإعجاز العلمي؟ شغلتني يومئذ فكرة الجسر الذي نحتاج إليه لترميم تلك الفجوة، وإزالة هذه الجفوة، بين تعاليم دين كانت أول كلماته (اقرأ)، وأولى توجيهاته العلم والتعليم، وبين منتجات حضارة ما كانت لتنهض إلا بما ورثته من إنجازات علماء المسلمين، في شتى العلوم الطبيعية التجريبية، لنربط هذا الإنجاز بذاك الإعجاز، فإن يقيننا بأن ربنا ما فرط في الكتاب من شيء، بل كل شيء فصله سبحانه تفصيلاً، يدفعنا للتأمل الهادئ المتعمق في آي الكتاب الكريم، لنبحث فيه عن المزيد وهو الذي لا تنقضي عجائبه ولا يبلى على كثرة الرد، وهذا التأمل ليس بمبادرة اجتهادية نتنقل بها، بل فريضة واجبة بالتدبر يذكرنا بها القرآن بين الفينة والفينة من مواطنه. ومن أفضال الله الغامرة على أن وجدت من يشاركني هذه الفكرة بين سابق ولاحق، مما أتاح لها أن ترى النور ثم يقيض الله لها مؤسسة ترعاها، ورجالاً يبذلون الوقت والجهد لإنجاحها، فقرت أعيننا بما تحقق ولا يزال ما نؤمله من ربنا أكثر والله أكبر.
ـ إذن هكذا كانت البداية، ولكن بعد مضي كل هذه الفترة من العمل بالهيئة، ما الذي تسعون إليه؟ وما نسعى إليه الآن في هيئتنا أن تشيع فكرة الإعجاز بين جموع المثقفين من المسلمين لنحملها سوياً، بين باحث علمي ومؤصل شرعي ومهندس زراعي وطبيب بيطري، وكل صاحب فكر بل كل صاحب فكرة، نعم ما نطلبه هو الفكرة، كالخاطرة التي كان يتصيدها ابن الجوزي على مدار الساعة فأخرجت له هذا الكتاب القيم (صيد الخاطر)، فبلا شك أن الباحثين التجريبيين يعرض لهم في ممارسة أعمالهم من آيات الله في خلقه ما لا يعرض لغيرهم، وقد يفتح الله عليهم أثناء تلاوتهم لكتاب الله وأحاديث نبيه وأحكام شريعته ما لا يفتح لسواهم، لذا فنحن نذكرهم بأن هيئة الإعجاز هيئتهم جميعاً، فليعتبروها محضن أفكارهم ومنبت غرسهم، يكفيهم فقط طرح الفكرة علينا مهما كانت بساطتها، شريطة عدم التسليم بصحتها قبل أن تمحص على بساط البحث المستفيض، ونحن في الهيئة مستعدون لبذل هذا الجهد من خلال كفاءات علمية متميزة في مجالي العلوم الشرعية والطبيعية، فها نحن نفتح الباب لكل باحث وسيجد في موقعنا على الشبكة العنكبوتية، وفي مجلتنا كل سبل الوصول إلينا من هاتف وفاكس وصندوق بريد وعنوان للبريد الإلكتروني.
ـ هل نفهم من ذلك أن الهيئة مستعدة لقبول كل فكرة، ودراسة كل بحث ومناقشة كل طرح يتعرض لقضايا الإعجاز العلمي؟ نعم نحن مستعدون لذلك مهما كانت الفكرة بسيطة، وحتى لو لم تكن دقيقة، فإنه لا يخفى على كل طالب علم أنه حتى الأفكار غير الصائبة تثري البحث العلمي بالجهد المبذول لتصحيحها. فنحن نوقن ابتداءً أن ما دفع صاحب هذه الفكرة لطرحها هو رغبته المخلصة في خدمة دينه، والدعوة إليه من خلال ما تعلمه في تخصصه، فواجبنا أن نشجع هذه الروح الطيبة والهمة العالية، خاصة وأن الصحوة الإسلامية المباركة أنتجت جيلاً متميزًا من الباحثين في شتى التخصصات، الملتزمين بتعاليم دينهم الحريصين على نشره. وسأضرب لكم مثالاً طريفًا بقصة مرت بنا في أحد اجتماعات المجلس العلمي للهيئة، والتي نناقش فيها مع كوكبة من كبار المستشارين في العلوم الشرعية والطبيعية ما يعرض على الهيئة من مشاريع الأبحاث، حيث كان أحد المشاريع المقدمة يحاول الربط بين ضوء (الليزر)، بقول الله عز وجل في وصف نوره سبحانه (نور على نور)، فقد طرأت هذه الفكرة للباحثين لكون الليزر يتكون من تراكم أو تدافع النيوترونات الموجبة في الذرات، فيتركز الضوء بهذا الكم الهائل المكثف، وقد أثارت الفكرة رفض وامتعاض معظم الأعضاء في هذا التسرع إلى لي معاني النصوص لتتوافق مع الاكتشافات العلمية الحديثة، وكنت مثلهم رافضًا ولكني لم أكن غاضبًا بل نقلت لهم ما يؤنسهم من أن مقدم هذا المشروع عالم فيزياء روسي مسلم، لا يعرف من العربية إلا القرآن الذي كان يحفظه سرًا في السراديب أيام الشيوعية الملحدة الغاشمة، فلما خفف الله عنهم ما هم فيه وقابلناهم في مؤتمر الإعجاز بموسكو، تزاحموا حولنا كل يريد أن يخدم القرآن بما يستطيع، وكانت هذه أفكارهم فإن كان قد أخطأ اليوم فسيصيب غداً، وترشيد مثل هذه الأفكار والأبحاث إحدى مهامنا الرئيسة في هيئة الإعجاز، ونحن مستعدون للقيام بها، فهلموا إلينا.
ـ أشرتم إلى مؤتمر هيئة الإعجاز بموسكو، فهل تعطونا فكرة عن المؤتمرات التي تعقدها الهيئة ومدى أهميتها؟ هذا السؤال مهم على قدر ما تمثله لنا مؤتمرات الإعجاز ـ خاصة العالمية منها ـ من تفجير للطاقة الإبداعية للمهتمين بقضايا الإعجاز، وفرصة لجمع أكبر قدر من هؤلاء المهتمين لتتلاقح أفكارهم، ويناقشون كل ما يرد على الهيئة ويستجد من أبحاث الإعجاز وأفكاره، وقد عقدت الهيئة حتى الآن سبع مؤتمرات عالمية جابت الأرض من جاكرتا إلى داكار، مرورًا بموسكو ودبي وإسلام أباد وبيروت، وها نحن الآن نعمل على قدم وساق نعد العدة لمؤتمرنا العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي سيعقد في الكويت، وقد وجهت الهيئة دعوة مفتوحة للعلماء والباحثين والمؤسسات العلمية للتقدم بأبحاث تناقش جوانب الإعجاز التي تسعى للربط من خلال البحث العلمي المنهجي الموثق، بين الحقائق التي توصلت إليها العلوم التجريبية المعاصرة، وبين نصوص الوحي الإلهي المبثوثة في كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة، ونحن نستبشر بمؤتمر الكويت خيرًا ونعده انطلاقة جديدة للهيئة في خدمة الإعجاز العلمي والدعوة إلى الإسلام من خلاله.
ـ فضيلة الشيخ هل من إضافة تودون أن نختم بها هذا الحديث الشيق؟ نعم أود أن أقول إنه آن الأوان لنقضي على حالة هذا الفصام النكد بين العلم والدين، هذا الفصام الذي كان نتاجًا للتعنت الكنسي والتعسف الكهنوتي، ولكن للأسف دفعت البشرية جمعاء ثمنه، فمن يرفع لواء العلم غير المسلمين، وهم الذين كان دينهم دعوة للتفكر والتدبر، وثورة على الجهل والتحجر، وفي الوقت الذي كان فيه الأوربيون يعدمون حرقًا من يقول بكروية الأرض أو يخترع آلة جديدة، كان المسلمون يقدمون للعالم الساعة والإسطرلاب وعلم الجبر والصفر وخريطة العالم والدورة الدموية، وغيرها من الإنجازات في كافة المجالات، والآن وقد أقر العالم المعاصر بالعلم فأسلم له قيادة الحياة، فعلينا ألا نتخلف عن هذا الركب، بل علينا أن نستشهد بهذا الشاهد العدل على صدق دعوتنا وعظمة ديننا، فالعلم هو البرهان الساطع والحجة البالغة، ومن خلال أبحاث الإعجاز العلمي نستطيع أن نثبت للعالمين سبق كتابنا العظيم وسنة نبينا الكريم، على ما اكتشفوه هو من حقائق علمية بعد مئات السنين وآلاف التجارب، فإن لم نفعل ذلك فنحن مقصرون في حق ديننا، وعاجزون عن أداء مهمتنا وإبلاغ رسالتنا، وهذه ليست مهمة الهيئة وحدها بل رسالة الأمة بأسرها، وما نحن إلا جهة تنسيق لتيسير الجهود على الباحثين، والجمع بين المهتمين فمرحبًا بالجميع.