اللؤلؤ والمرجان
عدد المساهمات : 697 تاريخ التسجيل : 10/05/2011
| موضوع: الإنسان يغفل عن الموت الإثنين يونيو 06, 2011 9:56 pm | |
|
قال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19))[ق/16-19] يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالى قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِ الأمْواتِ مِنَ القُبُورِ يَوْمَ القيَامَةِ ، بأنَّهُ الذِي خَلَقَ الإنسَانَ ، وأنْشَأهُ مِنْ عَدَمٍ ، وَأنَّهُ عَالِم بِجَمِيعِ أحْوَالِهِ وَأعْمَالِهِ وَأمُورِهِ ، حَتَّى إنَّه لَيَعْلَمُ مَا يَتَرَدَّدُ في نَفْسِهِ مِنْ فِكْرٍ ، وَمَا تُحَدَّثُهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عَمَلٍ ، خَيْراً كَانَ أوْ شَرّاً . وَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ :" إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها مَا لَم تَقُلْ أوْ تَفْعَلْ "(صحيح). ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى : إنَّ الإِنسَانَ تَحْتَ سُلْطَانِ اللهِ وَقَهْرِهِ ، وَإِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ المُكَلَّفِينَ بِحِفْظِ الإِنسَانِ وَإِحْصَاءِ أعْمَالِهِ هُمْ مُلازِمُونَ لَهُ دَائماً ، حَتَّى إنَّهم بِالنِّسْبَةِ إليهِ أقْرَبُ مِنَ الوَرِيدِ الذِي يَمْتَدُّ في عُنُقهِ. إنَّ اللهَ تَعَالى عَالِمٌ بِجَمِيعِ أحْوَالِ الإِنْسَانِ . وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِهِ مَلَكِينِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يَرْقُبَانِهِ وَيَتَرَصَّدَانِهِ ، وَيُحْصِيَانِ عَليهِ كُلَّ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ وَيْكْتُبَانِهِ . مَلكٌ عَنِ اليَمِينِ يَكْتُبُ الحَسَنَاتِ ، وَمَلكُ عَنِ الشِّمالِ يَكْتُبُ السَّيِّئاتِ .وَلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ ، مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ . وَإِنَّ الكُفَّارَ المُكَذِّبينَ بالبَعْثِ لِيَعْلَمُونَ صِدْقَ ذَلِكَ حِينَ المَوْتِ ، وَحِينَ قِيَامِ السَّاعَةِ ، فَإِذا جَاءتْ سَكْرَةُ المَوتِ كَشَفَتْ للإِنسَانِ عَن اليَقينِ الذِي كَانَ يَمْتَرِي فيهِ ، وَعَلِمَ أنَّ البَعْثَ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ . وَسَكْرَةُ المَوْتِ وَمَا تَكْشِفُهُ لِلإنْسَانِ مِنْ يَقِينٍ ، وَحَقَائِقَ ، هِيَ الحَقُّ الذِي كُنْتَ يَا أيُّها الإِنسَانُ تَفِرُّ مِنْهُ وَتَتَجَنَّبُهُ ( تَحِيدُ ) ، وَهَا قَدْ جَاءَكَ ، فَلا مَحِيدَ لَكَ عَنْهُ ، وَلا مَهْرَبَ وَلاَ مَنَاصَ .(أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4525)) فى هذه الآية عرض آخر لقدرة اللّه سبحانه وتعالى ، وقد غاب مفهوم هذه القدرة عن عقول هؤلاء المشركين .. وفى إعادة هذا العرض لقدرة اللّه ، تذكير لهم ببعض مظاهرة هذه القدرة ، ليراجعوا عقولهم مرة أخرى ، وليرجعوا من طريق الضلال الذي هم سائرون فيه . فاللّه سبحانه ، هو الذي خلق هذا الإنسان من تراب الأرض ، فجعل منه هذا الكائن العاقل ، السميع ، البصير ، وهو سبحانه الذي يعلم من أمر هذا الإنسان ما توسوس به نفسه من خواطر ، وما يضطرب فيها من خلجات ..وهو سبحانه أقرب إلى الإنسان ـ كل إنسان ـ من حبل الوريد ..وحبل الوريد : هو عرق فى صفحة العنق .. وسمّى العرق حبلا ، لأنه يشبه الحبل فى امتداده واستدارته .. وسمى وريدا ، لأنه يستورد الدم النقي من القلب ، ويصبّه فى الأوعية الدموية التي يتغذى منها الجسم . قوله تعالى :« إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ». أي أن اللّه سبحانه مع قربه هذا القرب المستولى على كيان الإنسان كله ، ظاهرا وباطنا ـ فإنه سبحانه قد وكل بهذا الإنسان جنديين من جنوده ، يتلقيان منه كل ما يصدر عنه ، من قول أو فعل ، فيكتبانه فى كتاب يلقاه منشورا يوم القيامة . و« إذ » ظرف متعلق بقوله تعالى : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » ـ بمعنى أن اللّه سبحانه وتعالى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ، وفى الوقت نفسه يقوم عليه جنديان من جنود اللّه ، يسجلان عليه كل ما يقول ، أو يفعل .. كما يقول سبحانه : « وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ». فكيف يكون للإنسان مهرب من الحساب والجزاء ؟ قوله تعالى : «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » ـ هو بيان شارح لوظيفة الجنديين القاعدين عن يمين الإنسان وعن شماله .. فهما واقفان للإنسان بالمرصاد .. ما يلفظ من قول إلا كان على هذا القول « رقيب » أي مراقب ، يسمع ما يقال ، ويسجله ، وهو « عتيد » أي حاضر دائما لا يغيب أبدا .. وليس رقيب وعتيد ، اسمين للملكين القائمين على الإنسان ، الموكلان به ، وإنما ذلك وصف لكلّ منهما ، فكل منهما رقيب يقظ ، حاضر أبدا .. قوله تعالى : « وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ».سكرة الموت : ما يغشى الإنسان ساعة الاحتضار ، من غيبوبة أشبه بغيبوبة من يقع تحت خمار الخمر ، فتنطفىء لذلك تلك الشعلة التي تمدّ كيانه بالحرارة والحركة ، ويبدو وكأنه جثة هامدة ، بلا شعور ، ولا حركة ، ولا وعى!. وقوله تعالى « بِالْحَقِّ » متعلق بالفعل « جاء » أي جاءت سكرة الموت محملة بالحق ، الذي غاب عن هذا الإنسان الذي لا يؤمن باليوم الآخر ، حيث يرى عند الاحتضار ، ما لم يكن يراه من قبل ، وحيث يبدو له فى تلك الساعة كثير من شواهد الحياة الآخرة ، التي هو آخذ طريقه إليها .. وقوله تعالى : « ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ » ـ الإشارة إلى « الحق » وهو الموت ، وما وراءه من بعث وحساب وجزاء .. وذلك الحق هو ما كان هذا الكافر باليوم الآخر ، منكرا له ، حائدا عن الداعي إليه ، المنذر به .. وقرىء : « وجاء سكرة الحق بالموت » ويكون المعنى على هذا ، وجاءت سكرة الحق بالموت الذي كان يحيد عنه هذا الإنسان ، والذي كان فى حياته غير مقدر أنه سيموت .. « يحسب أن ماله أخلده ».. فهو لهذا غافل عن الموت ، كما يقول سبحانه وتعالى : « لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ »(التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (13 / 478)) "إن ابتداء الآية : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ» .. يشير إلى المقتضى الضمني للعبارة. فصانع الآلة أدرى بتركيبها وأسرارها. وهو ليس بخالقها لأنه لم ينشئ مادتها ، ولم يزد على تشكيلها وتركيبها. فكيف بالمنشئ الموجد الخالق؟ إن الإنسان خارج من يد اللّه أصلا فهو مكشوف الكنه والوصف والسر لخالقه العليم بمصدره ومنشئه وحاله ومصيره ..«وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ» .. وهكذا يجد الإنسان نفسه مكشوفة لا يحجبها ستر ، وكل ما فيها من وساوس خافتة وخافية معلوم للّه ، تمهيدا ليوم الحساب الذي ينكره ويجحده! «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» .. الوريد الذي يجري فيه دمه. وهو تعبير يمثل ويصور القبضة المالكة ، والرقابة المباشرة. وحين يتصور الإنسان هذه الحقيقة لا بد يرتعش ويحاسب. ولو استحضر القلب مدلول هذه العبارة وحدها ما جرؤ على كلمة لا يرضى اللّه عنها. بل ما جرؤ على هاجسة في الضمير لا تنال القبول. وإنها وحدها لكافية ليعيش بها الإنسان في حذر دائم وخشية دائمة ويقظة لا تغفل عن المحاسبة. ولكن القرآن يستطرد في إحكام الرقابة. فإذا الإنسان يعيش ويتحرك وينام ويأكل ويشرب ويتحدث ويصمت ويقطع الرحلة كلها بين ملكين موكلين به ، عن اليمين وعن الشمال ، يتلقيان منه كل كلمة وكل حركة ويسجلانها فور وقوعها : «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». أي رقيب حاضر ، لا كما يتبادر إلى الأذهان أن اسمي الملكين رقيب ، وعتيد! ونحن لا ندري كيف يسجلان. ولا داعي للتخيلات التي لا تقوم على أساس. فموقفنا بإزاء هذه الغيبيات أن نتلقاها كما هي ، ونؤمن بمدلولها دون البحث في كيفيتها ، التي لا تفيدنا معرفتها في شيء. فضلا على أنها غير داخلة في حدود تجاربنا ولا معارفنا البشرية. ولقد عرفنا نحن - في حدود علمنا البشري الظاهر - وسائل للتسجيل لم تكن تخطر لأجدادنا على بال.وهي تسجل الحركة والنبرة كالأشرطة الناطقة وأشرطة السينما وأشرطة التليفزيون. وهذا كله في محيطنا نحن البشر. فلا داعي من باب أولى أن نقيد الملائكة بطريقة تسجيل معينة مستمدة من تصوراتنا البشرية المحدودة ، البعيدة نهائيا عن ذلك العالم المجهول لنا ، والذي لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به اللّه. بلا زيادة! وحسبنا أن نعيش في ظلال هذه الحقيقة المصورة ، وأن نستشعر ونحن نهم بأية حركة وبأية كلمة أن عن يميننا وعن شمالنا من يسجل علينا الكلمة والحركة لتكون في سجل حسابنا ، بين يدي اللّه الذي لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير.حسبنا أن نعيش في ظل هذه الحقيقة الرهيبة. وهي حقيقة. ولو لم ندرك نحن كيفيتها. وهي كائنة في صورة ما من الصور ، ولا مفر من وجودها ، وقد أنبأنا اللّه بها لنحسب حسابها. لا لننفق الجهد عبثا في معرفة كيفيتها! والذين انتفعوا بهذا القرآن ، وبتوجيهات رسول اللّه - r - الخاصة بحقائق القرآن ، كان هذا سبيلهم : أن يشعروا ، وأن يعملوا وفق ما شعروا ..وعن بلال بن الحارث المزني - رضي اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه - r - : «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه تعالى ، ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتاب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتاب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه» .. قال : فكان علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث.رواه أحمد وهكذا كان أولئك الرجال يتلقون هذه الحقيقة فيعيشون بها في يقين.تلك صفحة الحياة ، ووراءها في كتاب الإنسان صفحة الاحتضار : «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ. ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» ..والموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروغ منه ، أو يبعد شبحه عن خاطره. ولكن أنى له ذلك : والموت طالب لا يمل الطلب ، ولا يبطىء الخطى ، ولا يخلف الميعاد وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال! وبينما المشهد معروض يسمع الإنسان : «ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ». وإنه ليرجف لصداها وهو بعد في عالم الحياة! فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات! وقد ثبت في الصحيح أن رسول اللّه - r - لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول : «سبحان اللّه. إن للموت لسكرات» ..يقولها وهو قد اختار الرفيق الأعلى واشتاق إلى لقاء اللّه. فكيف بمن عداه؟ ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق : «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» .. وهي توحي بأن النفس البشرية ترى الحق كاملا وهي في سكرات الموت. تراه بلا حجاب ، وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد ، ولكن بعد فوات الأوان ، حين لا تنفع رؤية ، ولا يجدي إدراك ، ولا تقبل توبة ، ولا يحسب إيمان.وذلك الحق هو الذي كذبوا به فانتهوا إلى الأمر المريج! .(فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3362))
| |
| |
|