اللؤلؤ والمرجان
عدد المساهمات : 697 تاريخ التسجيل : 10/05/2011
| موضوع: فَـوَائِـدُ مُـنْـتَـقَـاةٌ مِـن تَـفْـسِـيـرِ ابِـنِ كَـثِـيـرٍ (2) الأحد يونيو 19, 2011 11:57 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم | فَـوَائِـدُ مُـنْـتَـقَـاةٌ مِـن تَـفْـسِـيـرِ ابِـنِ كَـثِـيـرٍ (2) |
فَـــــائِـــدَةٌ ( 2 ) هَـلْ يَـدْخُـلُ الـمُـؤْمِـنُـونَ مِـنَ الـجِـنِّ الـجَـنَّـةَ ؟
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (7/286) عند قوله تعالى : " يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ " [ الأحقاف : 31 ] : وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة , وَإِنَّمَا جَزَاء صَالِحِيهِمْ أَنْ يُجَارُوا مِنْ عَذَاب النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَلِهَذَا قَالُوا هَذَا فِي هَذَا الْمَقَام وَهُوَ مَقَام تَبَجُّح وَمُبَالَغَة فَلَوْ كَانَ لَهُمْ جَزَاء عَلَى الْإِيمَان أَعْلَى مِنْ هَذَا لَأَوْشَكَ أَنْ يَذْكُرُوهُ .
... وَالْحَقّ أَنَّ مُؤْمِنِيهِمْ كَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة كَمَا هُوَ مَذْهَب جَمَاعَة مِنْ السَّلَف وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بَعْضهمْ لِهَذَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ " [ الرحمن : 74 ] ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَال نَظَر وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْله جَلَّ وَعَلَا " وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " [ الرحمن : 46-47 ] ، فَقَدْ اِمْتَنَّ تَعَالَى عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ جَزَاء مُحْسِنهمْ الْجَنَّة وَقَدْ قَابَلَتْ الْجِنّ هَذِهِ الْآيَة بِالشُّكْرِ الْقَوْلِيّ أَبْلَغ مِنْ الْإِنْس ، فَقَالُوا : " وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِك رَبّنَا نُكَذِّب فَلَك الْحَمْد " ، فَلَمْ يَكُنْ تَعَالَى لِيَمْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِجَزَاءٍ لَا يَحْصُل لَهُمْ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يُجَازِي كَافِرهمْ بِالنَّارِ - وَهُوَ مَقَام عَدْل - فَلَأَنْ يُجَازِيَ مُؤْمِنَهُمْ بِالْجَنَّةِ - وَهُوَ مَقَام فَضْل - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى .
وَمِمَّا يَدُلّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ عُمُوم قَوْله تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات كَانَتْ لَهُمْ جَنَّات الْفِرْدَوْس نُزُلًا" [ الكهف : 107 ] ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَات . وَقَدْ أُفْرِدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جُزْء عَلَى حِدَة ، وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .ا.هـ.
ومسألة جزاء الجن في الآخرة هي مسألة اختلف أهل العلم فيها وقد اتفق الجمهور على أن كفارهم يعذبون في النار قال ابن القيم : وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن في النار . أما بالنسبة لثواب مؤمنيهم في الآخرة فقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال : الـقَـولُ الأَوَّلُ : أنه لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل البهائم . وهو قول أبي حنيفة ، وحكاه سفيان الثوري عن الليث بن أبي سليم ، وهو رواية عن مجاهد ، وبه قال الحسن البصري . واستدلوا بقوله تعالى : " يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ " [ الأحقاف : 31 ] . قال ابن القيم في طريق الهجرتين ( ص418 ) : واحتج هؤلاء بهذه الآية فجعل غاية ثوابهم إجارتهم من العذاب الأليم .
الـقَـولُ الـثَّـانِـي : أنهم يثابون على الطاعة بدخول الجنة على خلاف في حالهم فيها وهو قول ابن عباس والضحاك وعمر بن عبدالعزيز وإليه ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم ورجحه القرطبي وهو قول أكثر المفسرين .
ولكن أصحاب القول الثاني اختلفوا في كيفية الثواب فقد ذهب الأكثرون منهم إلى أنهم في الجنة يصيبون من نعيمها . وقال بعضهم أنهم يكونون في ربض الجنة . ومنهم من قال أنهم على الأعراف بين الجنة والنار .
وقد استدلوا بأدلة فمن ذلك : قوله تعالى : " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا " [ الأنعام : 132 ] . وقوله تعالى : " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ " [ الرحمن : 56 ] . قال الشوكاني في فتح القدير (5/141) : وفي هذه الآية بل في كثير من آيات هذه السورة دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه وعملوا بفرائضه وانتهوا عن مناهيه .ا.هـ.
الـقَـولُ الـثَّـالِـثُ : التوقف في المسألة . والرجح من هذه الأقوال - والله أعلم - ما ذهب إليه الجمهور . قال الشيخ الشنقيطي في " الأضواء " (7/407) بعد أن قرر هذه المسألة من ناحية أصولية كما هي عادة هذا الإمام : وحاصل فقه هذه المسألة أن الجن مكلفون على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، وأن كافرهم في النار بإجماع المسلمين ، وهو صريح قوله تعالى : " لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " [ هود : 119 ] ، وقوله تعالى : " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ . وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ " [ الشعراء : 94 - 95 ] ، وقوله تعالى : " قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ " [ الأعراف : 38 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وأن مؤمنيهم اختلف في دخولهم الجنة ومنشأ الخلاف الاختلاف في فهم الآيتين المذكورتين . والظاهر دخولهم الجنة كما بينا والعلم عند الله .ا.هـ. نسأل الله أن يزيدنا علما وفقها في دينه ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل . وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين ، ومع فائدة قادمة إن شاء الله تعالى .
| كتبه عبد الله زقيل |
| |
|