أميرة الورد Admin
عدد المساهمات : 1191 تاريخ التسجيل : 11/03/2011
| موضوع: رد: فقه البدائل الترفيهية الخميس مارس 17, 2011 8:14 am | |
| معالم البديل في الفقه الإسلامي لنتعرف على بعض معالم البديل في الفقه الإسلامي، أولاً: لا يشترط أن يكون البديل في درجة المبدل أو مستواه، مثاله المشروبات عصير برتقال ما فيه لذة الخمر، وسكر الخمر، ونشوة الخمر، وكذلك الصوف والقطن والكتان ما فيه نعومة الحرير وفخامة الحرير وليونة الحرير الطبيعي، وهكذا، وليس في الغناء المحرم ما في إلقاء الشعر الموزون، ولا يمكن أن نأتي بنشيد مثل الغناء المحرم في اللذة والنشوة والطرب، وإلا لصار غناء محرماً مثله، ولو أن كل حرام وُجِد له بديل بنفس المستوى والدرجة والميزات ما كان للابتلاء فائدة، وقد اعتاد أكثر الناس إذا سمع فتوى بالتحريم أن يقول أين البديل؟ أين الحل؟ والبعض لا يرضى أن يتنازل ولو على جزء من المنكر ويطالب العلماء بإحداث بديل شرعي بنفس المواصفات والمقاييس، وإذا كان أصلاً لا يمكن أن يُؤْتى ببديل بنفس المواصفات والمقاييس، والله تعبدنا بترك الحرام والنفس تقدر على تركه، ولا يشترط أن تجد بديلاً بنفس اللذة، وليس من شرط البديل أن يكون فيه نفس المتعة، هذا لا بد أن يُفهم، والبدائل الموجودة في الشريعة قد لا توافق هوى أكثر الناس، لأن الحرام فيه لذة لا توجد في بعض المباحات، وكون الحرام له لذة من تزيين إبليس، أحياناً إبليس يصور الزانية في نظر الشخص أجمل من زوجته، مع أنها في الحقيقة ليست كذلك، فلو سئل عشرة من أصحاب الذوق ومقاييس الجمال فسيقولون زوجته أحلى، لكن إبليس يصور له تلك بالحرام أنها أجمل، ثم إن الفطر منتكسة، لو تأتي له بالحرام يستمتع ويُكيِّف، وتأتي له بالحلال ينفر ويزهد،لأن نفسه مريضة، وعقله منحرف، إذا صارت النفس منتكسة فكيف يستحلي الحلال، ويأنف وينفر من الحرام، هو تبرمج بطريقة أن الحرام هو الكيف واللذة، والحلال هذا لا يجد له طعماً ولا يستسغه، العلماء والمفتون و الدعاة ليسوا بمكلفين أن يأتوا للناس ببدائل بنفس اللذة والمتعة، خصوصاً أصحاب الكيف المنحرف، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}سورة محمد (14)، لا يمكن يكون سماع القرآن في النشوة والطرب مثل سماع الأغاني، لكن عند أهل الإيمان سماع القرآن ألذ, نفوسهم تلتذ به وتنفر من سماع الأغاني, كذلك فإن في القرآن ثقلاً على بعض النفوس, أما سماع الأغاني فخفيفة ومطربة وأين هذا من هذا؟ والبديل الذي يفوق الحرام من كل الجهات ليس موجوداً إلا في الجنة, يعني غناء الحور العين، لبس الحرير في الجنة، لبس الذهب في الجنة، شرب الخمر في الجنة, فإذا كنت تريد بديلاً يتفوق على الحرام من كل الجهات هذا في الجنة, ولذلك جعل الله الجنة دار الكرامة والجزاء لمن صبر على تلك المحرمات، وما فيها من الجاذبية والاستمتاع والنشوة. من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ثانياً: ترك الحرام لابد أن يكون لله وليس لأجل وجود بديل وعدم وجود بديل, فأنت الآن تركك لهذا المحرم لله، أو تريد أن تبقى مستمتعاً، فإذا سحبت منك شيء لابد أحط لك شيء أو لن تكون مستعداً لتمشي خطوة إلى الأمام, ففرق شاسع بين من يترك الحرام طاعة لله وانقياداً وبين أن يتركه لوجود بديل, وفرق بين من يبلغه نهي الشريعة عن شيء فينكفّ عنه ثم يعوضه الله خيراً منه, فإذا علم أن الوظيفة محرمة يقول لك: أنا لن أترك الوظيفة ولن أخرج منها إلا إذا وجدت وظيفة أخرى بديلة, فترك الحرام عنده ما هو متوقف على طاعة الله الفورية, بل متوقف على وجود بديل وإذا ما وجد بديل؟ وأحياناً البديل لا يوفق الله العبد إليه إلا إذا ترك ذاك له, يعني من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, فيتركه امتثالاً ثم يأتيه الله بالبديل, على قاعدة: من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, يا أخي واحد راتبه في مصرف ربوي عشرون ألفاً فمن أين تأتي له ببديل - بعشرين أو خمسة وعشرين مثلاً-, لكن يمكن أن يرزقه الله ببديل بعشرة، لكن بركة العشرة أكثر مما كانت عليه العشرون, ويمكن البديل لا يأتي إلا بعد ترك المحرم, ولا يوفقه الله إليه إلا بعد ترك المحرم, فمن هنا نعلم خطأ بعض الناس الذين يتركون الأشياء المحرمة في بيوتهم ويقول: إذا سحبته يصير في فراغ, ويتذرع في إبقائها بعدم وجود بديل, فهو لا يترك الحرام إلا إذا قدم له البديل الموازي، وهذا خلل في التسليم، وخلل في التطبيق، وخلل في الطاعة، وخلل في الالتزام, فلابد من سمعنا وأطعنا والترك الفوري والتجرد عن الهوى، وتأخذ أجر الامتثال، والتسليم للأمور الشرعية بالرضا والقبول من أساسيات الإسلام وأصول هذا الدين, قال الزهري رحمه الله: (من الله الرسالة, وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم), (فالوحي الإلهي لا سبيل إلى مقابلته إلا بالسمع والطاعة والإذعان، وليس لنا بعده خيرة وكل الخيرة في التسليم له والقول به، ولو خالفه من بين المشرق والمغرب) الروح لابن القيم صـ183 فالمؤمن مأمور بالانقياد والإتباع والسمع والطاعة { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}سورة النور (51) { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}سورة الأحزاب (36), ((لما نزل تحريم الخمر وقرأه عليهم {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}سورة المائدة(91)، قالوا: انتهينا انتهينا)) رواه أحمد (355). نادى المنادي: الخمر حرمت سكبوها, ((ما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل)) مسلم (1980).كما قال أنس رضي الله تعالى عنه, ما توقف امتناعهم عنها على وجود بديل, لما حرم النبي عليه الصلاة والسلام لحوم الحمر الأهلية في خيبر بادر الصحابة بالامتثال وأكفأوا القدور وهي تفور باللحم، ((لما رأى خاتم ذهب في يد رجل نزعه وألقاه قيل للرجل: خذ خاتمك؟ قال: لا والله ما آخذه)) رواه مسلم (2090). قال رافع بن خديج: ((كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى, فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال: -وهذه طبعاً قضية فقهية فيها تفصيلات، لكن يحصل أحياناً أنه يجيء واحد إلى صاحب الأرض ويقول له: أنا أزرع لك أرضك بشرط أن تعطيني الثمار التي تنبت على أطراف السواقي والترع والماذيانات؛ لأنه عادة تطلع أكثر وأجود وأنت تأخذ الباقي, لا يجوز أنه يكون المقابل في المزارعة شيئاً في مكان معين من الأرض؛ لأنه ممكن يسلم نصيب الزارع مثلاً, وذلك يموت لا يخرج أو يكون سيئاً فيكون فيه غبن, الآن ندخل في قضية المزارعة والمخابرة, لكن الحديث والشاهد منه قال: ((جاءنا رجل من عمومتي يقول: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً -كنا نستفيد منه- وطواعية الله ورسوله أنفع لنا)) رواه مسلم (1548). فقد يأتي واحد ويقول: والله كنا نسير في الشركة على حاجة وكنا مستفيدين منها، ثم جاءتنا الفتوى توقفنا عنها, ، وطاعة الله ورسوله أنفع لنا وأفود لنا, والذي يترك الشيء امتثالاً لأمر الله لابد له من العوض, لمَّا هجر إبراهيم عليه السلام قومه واعتزلهم أمره الله بالهجرة من العراق إلى الشام عوضه الله بالذرية الصالحة وجاءت هاجر وابنها إسماعيل وأصلح الله سارة وابنها إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب, لما ضحى يوسف عليه الصلاة والسلام ترك الشهوة لله عوضه الله ملكاً في مصر, لما ترك أهل الكهف الراحة وهجروا مكان الفتنة والاضطهاد؛ عوضوا بالراحة العظمى والنوم الهانئ الطويل, وبعد ذلك نالوا ذكراً وشرفاً في الدنيا قبل الآخرة, والمهاجرون لما تركوا مكة, الوطن والأصل والأهل والمال والدار عوضهم الله رزقاً وعزاً وتمكيناً وفتح لهم كسرى وقيصر وكنوز الأرض وولاهم على مكة وعلى غير مكة وفتحها لهم كلها, فما ترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه, وقد جاء عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى وقال: (( إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيراً منه)) أحمد (20215)، وصححه شعيب الأرناؤوط. وإذا لم يأت العوض في الدنيا سيأتي في الآخرة ولا بد وهو أنفع وأحسن ودائم. وعن أبي بن كعب قال: (ما ترك عبد شيئاً لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله بما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون عبدٌ أو أخذه من حيث لا يصلح له إلا آتاه الله بما هو أشد منه من حيث لا يحتسب) الزهد لابن المبارك (1/213). إذاً الذي يترك المحرمات صادقاً مخلصاً من قلبه لله؛ فإن الله سيقلب مرارة المشقة عنده إلى حلاوة, فتستحيل لذةً ويعوضه عن ذلك. قال زاذان: (كنت غلاماً حسن الصوت جيد الضرب بالطنبور وكنت أنا وصاحب لي في رابعة وعندنا نبيذ لنا وأنا أغنيهم, إذ مر عبد الله بن مسعود -على الشلة فيها مغني وخمر- فلما سمع الصوت دخل علينا فضرب البَاطِيِّة -إناء الخمر- برجله فأكفأها وانتزع الطنبور من يدي فضرب به الأرض فكسره, ثم قال: لو كان ما أسمع من حسن صوتك هذا يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى, فقلت لأصحابي: من هذا الذي فعل؟ قالوا: هذا عبد الله بن مسعود -طبعاً: كان زمان في سلطان لأهل الخير وأهل الحق, فأهل الشر إذا جوبهوا بهذا خمدوا، وإذا تكلم الواحد تكلم بعدما يذهب رجال الحسبة, فصار الحال إلى ما نرى ونسمع- فألقى الله في نفسي التوبة فسعيت وأنا أبكي فلما بلغ الباب أراد أن يدخل فأخذت بثوبه فالتفت إليَّ فقال: من أنت؟ قلت: أنا صاحب الطنبور, فأقبل علي فاعتنقني وبكى ثم قال: مرحباً بمن يحب والله, اجلس مكانك ثم دخل فأخرج إلي تمراً فقال: كُلْ من هذا التمر ولو كان عندنا غيره أخرجته إليك) تاريخ دمشق (18/284). فهذا الرجل الذي قال له ابن مسعود: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله, وجَّهه لاستغلال هذه الموهبة واستثمارها في طاعته عز وجل, والآن لو قيل لمغني شهرة ومال وحقوق محفوظة, لو قيل لمغني تركض وراءه مؤسسات الإنتاج والإعلام والإعلان والقنوات: اترك لله وجاء يقول: ما هو البديل, وأنا لو تركت هذا ما هو مصدر رزقي؟ أحياناً الواحد يكون مشهوراً في الحرام لو تركه يقول: أنا سأصير شخصاً مغموراً الهالات ستذهب عني، والأضواء ستذهب عني، والشهرة ستذهب، والتفاف الجماهير سأفقده, في الواقع هل نظن أنه إذا تاب سيكسب شهرةً وأضواءً وأموالاً وتهافت الناس عليه مثل أول؟ لا بل يوجد كثير من المغنين والمغنيات التائبين والتائبات لما ترك ما هو فيه صار فقيراً حقيقةً, لكن بصدقه يرزقه الله من القناعة واللذَّة بالواقع الجديد ما يغنيه عن الشهرة والأضواء والأموال وهذا هو لب القصيد, وينبغي على أصحاب الأموال أن يتعاهدوا هؤلاء التائبين ويستوعبوهم, ومن أحسن الأعمال التي تقدمها يا مسلم أن تثبت تائباً بعد توبته, وليس أن يقوم الضُّلال من المفتين في إعادة هؤلاء إلى الغناء مرة أخرى بحجة الغناء الديني, ويقول للمغنية التائبة: حرام تخسر الأمة الموهبة فاذهبي واشتركي في الغناء الديني, وبسبب الفتاوى الضالة عادت بعض المغنيات والممثلات لعالم الفن العفن مرة ثانية, الآن تغني وهي مغطية شعرها, فيا سلام على الفتاوى, لما نتكلم في قضية البديل في الترفيه الإسلامي لابد أن نستوعب أموراً منها: أن الأصل في حياة المسلم الجِدْ, دعونا نناقش القضية من أصولها لما تتكلم عن مسألة الترفية، الآن الأصل في حياتك ما هو { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}سورة المدثر(13) هذا جد, {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}سورة المزمل(5)، { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }سورة الذاريات(56), فالشرع والدين يستوعب المساحة الواسعة من أعمارنا, هذا هو الأصل, وهذا هو الغالب, وهذا الذي خلقنا الله من أجله, الواحد مكلف الآن بالطاعة والعبادة, صلاة وصدقة وذكر ودعاء وتلاوة, وأمر بالمعروف ونهي عن منكر وتعلم العلم وتعليمه, وتربية النفس وتربية الأولاد... إلى آخره, هذه ستأخذ المساحة الكبرى في حياتك, وليس الترفيه حتى المباح هو الذي سيأخذ المساحة الكبرى في حياتك, فلما يصير الواحد يجري وراء الترفيه أكثر الوقت (ألعاب ومباريات وأناشيد وتسالي وصيد) فلماذا تعيش؟ اسأل نفسك أصلاً ما هو التكليف الذي أنت مكلف به أصلاً, وكيف ترضى أن تصير أكثر حياتك هزل وضحك وتمشيات وسياحة وأناشيد وأكل ومطاعم, كم يذهب عليك من الوقت فيها؟ ثم الشرع جاء بها لتكون كالملح في الطعام, يعني شرع الترفيه ((كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ))المعجم الكبير للطبراني(941)، وذكر استثناءات وذكر لنا السباحة وذكر لنا الرمي وذكر لنا أشياء، ولكن حتى الترفيه في الإسلام لما تنظر في السباحة لها فوائد, الرمي له فوائد سواءً في الجهاد أو في الصيد وكسب الرزق, الحبشة لما النبي عليه الصلاة والسلام أذن لهم بلعبتهم هذه كانت لعبة حربية, ولما عائشة نظرت إلى الحبشة يلعبون في المسجد كانت لعبة حربية وليست مجرد لعب, النبي صلى الله عليه وسلم قال عن رقص الأحباش في المسجد: (( لتعلم يهود أن في ديننا فسحة )) رواه أحمد (24334) وصححه الألباني، فما معنى ذلك؟ معناه الأصل في الدين الجد, لكن في فسحة يوم العيد مثلاً, أو رقص الأحباش هذا الذي حصل في المسجد, يوم في السنة وليس كل يوم رقص ويحضر الأحباش للرقص، وعائشة تتفرج كل يوم, فما هو الأصل؟ وما هي الفسحة؟ سأضرب لكم مثال, في الجدول الدراسي لأن بعض الناس أحياناً ما يقتنع إذا ذكرت له الأدلة من الكتاب والسنة, الجدول الدراسي الموضوع في العالم كل يوم فيه سبع حصص من خمس ساعات دراسة كل يوم, في شيء اسمه فسحة كم مدتها؟ ربع ساعة فسحة عشرين دقيقة, وبقيت خمس ساعات كلها دراسة, العمل في الشركات ثمان ساعات وبعض الشركات تعطيهم نصف ساعة، تروح تأخذ لك سندوتش، وقهوة، تمد رجليك, لكي ترجع وتتنشط لعملك, فالعمل ثمان ساعات وفيها نصف ساعة فسحة, فلو أننا سوينا مدرسة أو جامعة يذهب الطالب يدرس ربع ساعة وخمس ساعات لعب, فكيف سيصبح شكل المدرسة هذه أو الجامعة, وما هي الإنتاجية في شركة أو مؤسسات فيها ثمان ساعات لعب, وربع ساعة يشتغل -مراجعين وأوراق وأشياء وإنتاج وتصنيع ربع ساعة!- ماذا يقول الناس؟ هذا جنون, تعال على العبادة المفهوم الشامل لحياة المسلم, إذا كان عندنا الدين في اليوم نص ساعة التي هي الصلوات الخمس، والباقي ما بين دنيا وروحة وجيَّة وتلفزيونات وبرامج وترفية وسوني استيشن و ألعاب وشات وماسنجر وكرة وفرجة وسياحة وبحر وبر وصيد, ما هذا؟ هذا عكس الصورة لماذا ؟ هل هذه هي حياة المسلم الذي خلقه الله لأجل هذا؟ فالترفية المباح موجود في الشريعة, والنبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة والسباحة مارسها الصحابة, وتبادحوا بقشر البطيخ, لكن كل يوم ثمان ساعات قشر بطيخ! إذاً مسألة النسبة في الموضوع مهمة جداً عندما نناقش قضية البدائل وما هو الأصل؟ مراعاة الشريعة للنفس البشرية الشريعة راعت طبيعة النفس البشرية, ولابد من شيء من المراوحة أو الاستجمام والراحة وتجديد النشاط, قال الأُبي رحمه الله: (سنة الله في عالم الإنسان أن جعله متوسطاً بين عالم الملائكة وعالم الشياطين, فمكَّن الملائكة في الخير بحيث يفعلون ما يؤمرون ويسبحون الليل والنهار لا يفترون, ومكَّن الشيطان في الشر والإغواء بحيث لا يغفلون, وجعل عالم الإنسان متلوناً فيه من هذا وهذا) فالطبيعة البشرية ما تتحمل شيئاً واحداً على طول الخط, لابد لها من تغيير, (( والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة )) رواه مسلم (2750)., لكنهم كانوا يجلسون عند النبي عليه الصلاة والسلام هذه المدة الطويلة، ويخرجون مع الأزواج ومع الأولاد وفسحة وأشياء وانبساط وترفيه وغداء, وكان عليه الصلاة والسلام يمازح ويلاعب وسابق بين أصحابه على الخيل, وشارك أصحابه في الرمي, وأقر الحبشة على اللعب بالحراب, وسمح لعائشة بلعب البنات, وقال جابر بن سمرة: (جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة, فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت فربما تبسم معهم) الترمذي (2850) وصححه الألباني. قال بكر بن عبد الله المزني: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون – يعني يترامون- بالبطيخ, هذا قشر البطيخ, فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال) الأدب المفرد (266)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (435). قال علي رضي الله تعالى عنه: (أجمُّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة, فإنها تمل كما تمل الأبدان) بهجة المجالس وأنس المجالس (115). وقال: (لا بأس بالمفاكهة يخرج بها الرجل عن حد العبوس) المراح في المزاح (24،29). يعني إذا رأيت واحد مُعبِّس فذهبت تعطي له طرائف حتى يذهب عنه ما به, فهذا إحسان إليه و لك أجر على ذلك. كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا أكثروا عليه في مسائل القرآن والحديث قال: أحمضوا، يعني: خذوا في الشعر وأخبار العرب, هاتوا شوي تغيير. قال عبد الله بن مسعود: (أريحوا القلوب فإن القلب إذا أكره عمي) بهجة المجالس وأنس المجالس (115). قال أبو الدرداء: (إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل غير المحرم فيكون أقوى لها على الحق) بهجة المجالس (115). وهذه عادة الفقهاء والمحدثين في مجالس الحديث والعلم أن يُطَعِمُوها أحياناً بأشياء من النوادر والفكاهات, وإنشاد الشعر والحكايات والقصص ترويحاً, قال العراقي في ألفيته: واستحسن الإنشاد في الأواخر بعد الحكايات مع النوادر وعقد الخطيب في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع باب بعنوان: [ختم المجالس بالحكايات ومستحسن النوادر والإنشادات], وكانوا يسمونها (الأبازير), يعني البهارات والتوابل أو الأبذار. قال سليمان بن حرب: (كنَّا عند حماد بن زيد يحدثنا بأحاديث كثيرة ثم يقول: خذوا في الأبذار فيحدثنا في الحكايات) هذه بمثابة البهارات التي توضع على الطعام, وما خلت بعض مجالس العلماء و فتاويهم من النوادر, دخل رجل على الشعبي فقال: ما تقول في رجل شتمني في أول يوم من رمضان هل يؤجر؟ قال: إن قال لك: يا أحمق فإني أرجو ذلك) العقد الفريد (2/449). وجاءه رجل فقال: إني تزوجت امرأة فوجدتها عرجاء هل لي أن أردها؟ قال: إن كنت تريد أن تسابق بها فردها. ودخل الشعبي الحمام فرأى داود الأزدي بلا مئزر يعني فجأة فغمض عينيه, فقال داود: متى عميت يا أبا عمر؟ فقال الشعبي: منذ أن هتك الله سترك. تحاكم الرشيد وزبيدة إلى أبي يوسف القاضي في الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب؟ فقال أبو يوسف: أنا لا أحكم على غائب, فأمر الرشيد بإحضارهما، وقدم بين يدي أبي يوسف, فجعل يأكل من هذا مرة ومن هذا مرة، حتى نصف الجامين ثم قال: يا أمير المؤمنين ما رأيت أعدل منهما كلما أردت أن أحكم لأحدهما أتى الآخر بحجته. وسكن بعض الفقهاء بيتاً سقفه يقرقع في كل وقت فجاء صاحب البيت يطلب الأجرة فقال له الفقيه: أصلح السقف, أنا مستأجر منك وهذا يجب أن يصلح, فإنه يقرقع, فقال: لا تخف فإنه يسبح الله تعالى, فقال الفقيه: أخشى أن تدركه رقة فيسجد. وسأل رجل عمرو بن قيس عن حصاة المسجد يجدها الإنسان في خفه أو ثوبه أو جبهته, فقال: أرم بها, قال: زعموا أنها تصيح حتى ترد إلى المسجد, قال: دعها تصيح حتى ينشق حلقها، قال الرجل: أوَلَها حلق؟ قال: فمن أين تصيح إذاً؟!. ودق رجل على أبي نعيم الفضل بن دكين الباب فقال: من هذا؟ قال: أنا, -طبعاً هذه مكروهة المفروض واحد طرق الباب يعرف من هو-, فقال: أنا, قال: من أنا؟ قال: رجل من ولد آدم, فخرج إليه أبو نعيم وقبله واحتضنه وقال: مرحباً وأهلاً ما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد. وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: وقد وقعت لي في كشوف القضاء حوادث منها أننا ذهبنا يوماً إلى كشف على مسكن في طرف دمشق وكان معي في السيارة كاتب المحكمة والزوجة وزوجها, فلما وصلنا جاء عسكري قريب للزوجة فأراد أن يتدخل فمنعته، وكان للعسكري أيام الفرنسيين بعض الرهبة في قلوب الناس, فلما ابتعدنا راجعين قال الزوج: أنا سكت عنه إكراماً لك, يعني للشيخ, ولولاك لمصعت رقبته, فقلت للسائق: قف فوقف, فقلت للزوج: أنا لم أرى في عمري رجلاً يمصع رقبة الآخر وأحب أن أرى هذا المشهد ولا يضرني أن أنتظر, فسأدعوه لك حتى تصنع به ما تريد وفتحت نافذة السيارة ومددت رأسي وناديت العسكري فتبخرت حماسة الرجل وضاعت جرأته وهربت شجاعته وجعل يقول: أرجوك يا سيدي أقبل يدك سامحني لا توقعني معه في ورطة, وأنا ساكت حتى وصل العسكري وصار لون وجه الرجل بلون قشرة الليمون, فقلت للعسكري: يبدو عليك أنك رجل خيِّر ومن يعمل خيراً يكافئه الله فاذهب وحاول أن تصلح بينهما أو الحقنا إلى المحكمة لعلك أن توفق بإقناع قريبتك وزوجها - توفق لإزالة الخلاف-, ولحقنا وتم الصلح بينهما, وأما الرجل فما صدَّق أنه خلص من هذه الورطة. وقال شيخ الإسلام: حدثني بعض المشايخ أن بعض ملوك فارس قال لشيخ رآه جمع الناس على مثل مجالس السماع, وطبعاً مجالس السماع هذه التي كانت في الصوفية كلها فيها الدف والرقص والغناء، فهذا الشيخ مقدم مجلس السماع للسلطان على أنه هو مجلس ذكر, فلما رآه السلطان قال: يا شيخ إن كان هذا طريق الجنة فأين طريق النار؟ السبب في حاجتنا اليوم للبدائل الترفيهية أنها شغلت الناس كثيراً في هذا الزمن وضاعت أوقات كثيرة بها و وضعوها في قائمة الضروريات. ثانياً: أن كثيراً من الناس يعيشون فراغاً كبيراً، وبعض الأماكن التي فيها نوع من الغنى، فيها ثروة، فبعض الشباب في بعض الأسر لا يحتاج أن يعمل أصلاً فهناك شركة أبيه والأرباح والأموال, ويمكن بعضهم يداوم في اليوم ساعة ساعتين ويكسب بها أموالاً طائلة فيصير عند الناس أوقات فارغة ماذا يعملون بها؟ فصارت قضية الترفيه دخلت على الناس مع الترف الحاصل, ولذلك فلابد اليوم من عرض هذه الأشياء على الكتاب والسنة ويبيِّن العلماء فيها الأحكام, والقضية صار فيها مليارات في صناعة الترفيه كما نعلم, وهذه الأشياء التي نراها اليوم في الشبكات والألعاب والمواقع والقنوات والأسواق والمنتجعات, وفيها إنفاق أموال كبير جداً ولذلك لابد من دعوة الناس إلى تذكر الآخرة وما أعد الله لأهل الآخرة وأن الإنسان لم يخلق للعب, وما لهذا خلقتم {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}سورة الأنبياء(16)، وأن قضية الترفية يجب أن تكون بقَدْر وحكمة, ويتفاوت فيها الناس فمثلاً ترفيه الصغار ليس مثل الكبار, الصغير أصلاً يلعب لأنه غير مكلف لو لعب ساعات ليس بعيب, يعني أبو ثلاث وأربع وخمس سنوات هو أصلاً نفسياً يحتاج إلى هذا, ويجب أن تراجع الأمور على ضوء الكتاب والسنة حتى لا يدخل علينا الفساد باسم البديل الإسلامي؛ لأننا صرنا نسمع شيئاً اسمه الغناء الإسلامي والديسكو الإسلامي والفيديو كليب الإسلامي والأغاني الإسلامية, وتحت كلمة إسلامي سوقت أشياء من المحرمات كثيرة, والفن الإسلامي والأفلام مدبلجة يؤتى بها، من إنتاج الكفار والفكرة للكفار والحركات للكفار واضح في الفلم والمسلسل الكرتوني, يضيفوا السلام عليكم, وإن شاء الله و صار إسلامي, وأنه أسلموها وما هي إلا قشور وضعوها في الظاهر، ووجدت أفلام إسلامية وفيها فتيات جميلات وأشياء من الإنشاد مع الدف ثم تطور الطبل ثم تطورت المؤثرات, وصار الآن تنشد قصائد أبي العتاهية في الزهد عند بعض الناس بفرقة موسيقية كاملة, ويسمونها حفلة إسلامية, وصارت بعض المسرحيات يقال لها: مسرح إسلامي, فيها كل شيء الباروكات ووصل الشعر المحرم والأشياء الاصطناعية, وألفاظ نابية، وتمثيل أدوار الكفار والصلبان وأدوار الحيوانات والبهائم والسباب والشتائم وأشياء كثيرة ثم يسمى مسرحاً إسلامياً, ودخلت قضية القنوات على أنها إسلامية وفيها من الهزل والتربية على الميوعة ما الله به عليم, وبعض القنوات على أنها إسلامية فيها اختلاط الرجال والنساء وتُوجَّه الكاميرا على المرأة قال: نزلت دمعتها, ثم يقال: إسلامي, واختلاط في الأستوديو إسلامي, وتبرج أمام الداعية إسلامي, وهكذا من أنواع الانحرافات, وكأن المسألة ليست قضية قشرية ولا لعب وخداع, وبعض الناس يقولون: إن شاء الله سنقدم بدائل إسلامية ما تستطيع تحاكي هوليود ولا سوني, هذه شركات عالمية ضخمة واقتصاديات الترفيه في البلاد الصناعية تحتل المراتب الأولى, وليس بالضرورة أن نسير على منوالهم, نحن كما قلنا: نأخذ بقدر لنستعين به على عبادة الله تعالى, أما ما نراه اليوم من مشابهة هذه الأناشيد للأغاني في كل شيء في طريقتها والحركات وما يسمى بالفيديو كليب ومن يصنعه أو ينتجه أو يخرجه حتى يأتي بأفكاره وخلفيته أحياناً تكون نصرانية ومؤثرات كالموسيقى وأشياء من أنواع المحرمات الكثير الكثير, والواجب علينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى ونعلم أن البديل لابد أن يضبط بالشرع وأن يكون بقدر ولا يشترط أن نبحث عن بديل في اللذة والنشوة كما قلنا, وقال ابن القيم: (كل ما يشتهيه الطبع ففيما أباحه الله سبحانه وتعالى غنية عنه) عدة الصابرين صـ 42. ويجب أن لا تخدعنا المظاهر وأن يكون عندنا حقائق وأن يكون عندنا إنتاج من أصله موافق للشرع, ويجب أن نوقن بأن رضا الله قبل رضا الناس, ومن أراد أن يقدم مشروعاً من هذه المشاريع وبديلاً لابد أن يلتمس رضا الله أولاً، ولا يجوز لأحد كما قال شيخ الإسلام أن يغير الشريعة من أجل أحد, وبعض الناس يتوهمون مصالح وهمية ويقيمون عليها علالي وقصوراً, وبعضهم يريد أن يطبب زكاماً فيحدث جذاماً, فلا البديل نصروا ولا المعصية كسروا، والبديل الترفيهي ليس هو الأصل كما قلنا, ولكنه كان معيناً وليس أصلاً, ولم تقتل هذه الأشياء أوقاتهم, ويجب أن نرفع الشعار الأنفع لا الأمتع, وينبغي أن يكون الترفيه له معاني هادفة, وهناك ألعاب تعليمية وألعاب ذكاء وألعاب تنشيطية وحركية بدنية، وأيضاً فإن إضاعة الأموال في هذا الترفيه بهذا الإسراف الموجود لا يقره الشرع, قال ميمون بن مهران: (ما أحب أني أَعْطَيْتُ درهماً في لهو, وأن لي مكانه ألفاً نخشى أن من فعل ذلك أن تصيبه هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}سورة لقمان (6)، حلية الأولياء (4/83). ولابد أن نعلم أن ضعف سلطان الشريعة هو الذي يجعل الناس يبحثون دائماً عن البدائل والترفيه, ولو أن الشريعة كانت في نفوسهم قوية وحية لما جروا وراءها هذا الجري, وينبغي أن نعلم أن الدين يحتاج إلى نصرة وأن حال المسلمين في الأرض اليوم أحوج إلى عمل دءوب ولا وقت الآن للتواني والغرق في هذه الأشياء, ويجب أن تؤسس القضية على سد أوقات الفراغ؛ لأن الوقت إذا صار فيه فراغ قال الناس: هاتوا الاستجمام وهاتوا الترفيه وكيف نشغل أنفسنا؟ فلا بد أن تؤسس مشاريع تستوعب طاقات أفراد الأمة وتصب في صالح الأمة بملء أوقاتهم بما يعود عليها بأنواع القوة والانتشار, وأن يعلم المسلم أن مبدأ { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}سورة الشرح(7-، أنه ينبغي عليهم أن ينتقل بموجبة من طاعة إلى طاعة وإذا فرغ من أشغال الدنيا إلى عبادة الله, واستثمار الصحة والمال والفراغ والشباب بما ينفع الإنسان من مبدأ (( احرص على ما ينفعك )) صحيح مسلم (2664). نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هداة مهتدين وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. إمام المسجد | |
|