موضوع: ( ماينتفع به الأموات من عمل الأحياء ) الأحد يوليو 24, 2011 2:03 pm
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واصلي واسلم علي أمام الهدى والمتقين سيد ولد آدم صاحب الغور المحجالين والحوض المورود واللواء المعقود وعلي أهله واصحابه أجمعين والتابعين بأحسان إلي يوم الدين. أم بعــــــــد من الأمور التي اختلف فيها أهل العلم والسلف مسائلة ما يصل وما لايصل من عمل الأحياء إلي الأموات وأنه أمر عظيم وهام لكي نبحث فيه لنصل القول المبين والفعل المفيد لمن فقد حبيب أو عزيز أو غالي قريب أو بعيد لتوصيل أحسان له علي علم ويقين. والله أرحم الراحمين.
موطن الاتفاق في هذا الأمر: اتفق أهل السنة ان الأموات من سعي الأحياء بأمرين: أحدهما : ما تسبب إليه الميت في حياته. والثاني: دعاء المسلمين واستغفارهم له، والصدقة والحج على نزاع فيما يصل إليه من ثواب الحج: فعن محمد بن الحسن رحمه الله: أنه إنما يصل إلي الميت ثواب النفقة، والحج للحاج. وعند عامة العلماء: ثواب الحج للمحجوج عنه، وهو الصحيح أن شاء الله. موطن الخلاف: واختلف في العبادات البدنية، كالصوم والصلاة وقراءه القرآن والذكر: فذهب أبو حنيفة واحمد وجمهور السلف: إلى وصولها، والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم الوصول. وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء ألبته، لا الدعاء ولا غيره. وقولهم مردود بالكتاب والسنة، لكنهم استدلوا بالمتشابه من قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ماسعى) . وقوله(ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) . وقولهلها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) . وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: "إذامات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له،أو علم ينتفع به من بعده" ، فأخبر أنه ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة، ومالم يكن تسبب فيه في الحياة فهو منقطع عنه. الأدلة على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه: والدليل علي انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه، الكتاب والسنة والاجماع والقياس الصحيح. 1ـ الكتاب: قال تعالىوالذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) فأثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم على انتفاعهم باستغفار الأحياء. 2ـ السنة: وصول الدعاء: الأدعية التي بها السنة في صلاة الجنازة مستفيضة. وكذا الدعاء له بعد الدفن، ففي الحديث الذي رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم " إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" . وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم، كما ورد في حديث بريدة بن الحصيب، قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية" .
الصدقة: وأما وصول ثواب الصدقة ففي الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلا أتى النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله، أمي افتلتت نفسها ولم توصي، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم ). الصوم: وأما وصول ثوب الصيام، ففي الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" . وله نظائر في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يارسول الله "إن أمي قد ماتت وعليها صوم شهر أفاقضية عنها؟ قال نعم، فدين الله أحق أن يقضى ". الحج: وأما وصول ثواب الحج، ففي صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما(أن امرأه من جهينة جاءت إلى النبي صلي الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفاحج عنها؟ قال:"نعم حجي عنها، ارأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله احق بالوفاء" . 3ـ الإ جماع: وقد دل انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في. صلاة الجنازة وأجمع المسلمون علي أن قضاء الدين يسقطه من نذمة الميت، ولو كان من أجنبي، ومن غير تركته، وقد دل على ذلك حديث أبي قتادة، حيث ضمن الدينارين عن الميت، فلما قضاهما قال النبي صلي الله عليه وسلم: "الآن بردت عليه جلدته" . 4ـ القياس: وكل ذلك جار على قواعد الشرع. وهو محض القياس، فإن الثواب حق العامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة مله له في حياته، وإبرائه له منه بعد وفاته. وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية. يوضحه: أن الصوم كف النفس عن المفطرات بالنية، وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلي الميت، فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية؟ رد الشبهات على استدلالات النافين: 1ـ والجواب عما استدلوا به من قوله تعالى(وأن ليس للإنسان إلا ماسعى) . قد أجاب العلماء بأجوبة: أصحها جوابان. أحدهما: أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد ونكح الأزواج، وأسدة الخير وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، يوضحه: أن الله تعالى جعل الإيمان سببأ لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك. الثاني: وهو اقوة منه: أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين فرق لا يخفى، فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه. وقوله سبحانه: (ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ماسعى) . آيتان محكمتان، تقضيان عدل الرب تعالى: فالأولى تقتضة أنه لا يعاقب أحدا بجرم غيره، والثانية تقتضي أنه لايفلح إلا بعمله، ليقطع طعمه من نجاته بعمل آبائه وسلفه ومشايخه، كما عليه أصحاب الطمع الكاذب، وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى. 2ـ وكذلك قوله تعالى: (لها ماكسبت) . وقوله: (ولا تجزون إلا ماكنتم تعملون) . على أن سياق هذه الآية يدل على أن المنفي عقوبة العبد بعمل غيره، فإنه تعالى قال: (فاليوم لا تظلم نفس شيئا، ولاتجزون إلا ما كنتم تعملون) .
3ـ وأما استدلالهم بقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله). فاستدلال ساقط فإنه لم يقل انقطاع انتفاعه، وإنما أخبر عن انقطاع عمله. وأما عمل غيره فهو لعامله، فإن وهبه له وصل إليه ثواب عمل العامل، لا ثواب عمله هو، وهذا كالذين يوفيه الإنسان عن غيره، فتبرأ ذمته، ولكن ليس له ما وفى به الدين. 4ـ وأما تفريق من فرق بين العبادات المالية والبدنية، فقد شرع النبي صلي الله عليه وسلم الصوم عن الميت، كما تقدم، مع أن الصوم لا تجري فيه النيابة، وكذلك حديث جابر رضي الله عنه، قال صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال: (بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) والقربه في الأضحية إراقة الدم، وقد جعلها لغيره، وكذلك عبادة الحج بدنية، وليس المال ركنا فيه، وإنما هو وسيلة،ألا تري أن المكي يجب عليه الحج إذا قدر على المشي إلى عرفات، من غير شرط المال. وهذا هو الأظهر، أعني أن الحج غير مركب من مال وبدن، بل بدني محض، كما قد نص عليه جماعة من أصحاب أبي حنيفة المتأخرين. وانظر إلى فروض الكفايات: كيف قام فيها البعض عن الباقين؟ ولأن هذا إهداء ثواب، وليس من باب النيابة، كما أن الأجير الخاص ليس له أن يستنيب عنه، وله أن يعطي أجرته لمن شاء. حرمة أخذ الأجرة على التلاوة: وأما استئجار قوم يقرؤون القرآن ويهدونه للميت، فهذا لم يفعله أحد من السلف ولا أمر به احد من أئمة الدين، ولا رخص فيه. والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف. وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه، مما فيه منفعة تصل إلى الغير. والثواب لا يصل إلى الميت إلا الموتى. ولهذا لم يقل أحد انه يكتري من يصوم ويصلي ويهدي ثواب ذلك إلي الميت، لكن إذا أعطى لمن يقرأ القرآن ويعلمه ويتعلمه معونة لأهل القرآن على ذلك، كان هذا من جنس الصدقة عنهن فيجوز. وصول ثواب القراءة بغير أجر: وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة، فهذا يصل إليه، كما يصل ثواب الصوم والحج والعمرة والدعاء. فإن قيل: هذا لم يكن معروفا في السلف، ولا أرشدهم إليه النبي صلي الله عليه وسلم؟ قلـــت: فالجواب: إن كان مورد هذا السؤال معترفا بوصول ثواب الأعمال الصالحة السالفة الذكر، قيل له: ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن؟ وليس كون السلف لم يفعلوه حجة في عدم الوصول ومن أين لنا هذا النفي العام؟ فإن قيل: فرسول الله صلي الله عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والحج والصدقة دون القراءة؟ قيل: هو صلي الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك، بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له فيه، وهذا سأله عن الصوم عنه، فأذن له فيه، ولم يمنعهم مما سوى ذلك، وأي فرق بين وصول ثواب الصوم، الذي هو مجرد نية وإمساك، وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ ومن قال: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده بأعتبار سماعه كلام الله فهذا لم يصح عن أحد من الأئمة المشهورين. ولاشك في سماعه، ولكن انتفاعه بالسماع لا يصح، فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة، فإنه عمل اختياري، وقد انقطع بموته. والله أعلم